في خطوة متوقعة أثارت قلق المراقبين وخبراء المياه، قامت السلطات الإثيوبية صباح أمس بتشغيل المفيض بعدد بوابتين بشكل جزئي، وهو الإجراء الذي جاء مع وصول مستوى المياه في بحيرة السد إلى منسوب 636 مترًا، وفقًا للتقديرات الأخيرة. هذه الخطوة تعكس بداية مرحلة جديدة في إدارة السد، لكنها في الوقت نفسه تثير أسئلة خطيرة حول سلامة السد، والتأثيرات المحتملة على دولتي المصب، مصر والسودان.

 

تفاصيل التشغيل: بوابتان ومياه محملة بالطمي

تشغيل المفيض في هذا التوقيت يشير إلى ضغوط مائية كبيرة داخل بحيرة السد، التي وصل منسوبها إلى 636.50 مترًا بسعة إجمالية قدرها 68.4 مليار متر مكعب. الملاحظ وفقًا للصور الأخيرة أن تشغيل التوربينات يتم بشكل تبادلي، حيث يتم تقليل عدد التوربينات العاملة في الوقت الحالي، مع ظهور خروج مياه محملة بكميات كبيرة من الطمي من حوض التوربينين المنخفضين، ما قد يشير إلى اضطرابات في قاع البحيرة أو مشاكل في مسار المياه داخل السد.

 

ماذا يعني تشغيل المفيض؟

تشغيل المفيض بهذا الشكل الجزئي يعد إجراءً احترازيًا من الجانب الإثيوبي لتقليل الضغوط الهيدروليكية المتزايدة مع استمرار تدفق مياه النيل الأزرق، لكن هذا القرار يسلط الضوء على عدة نقاط:

الوصول إلى مستويات تخزين حرجة جعلت من الضروري تخفيف الحمل المائي عبر المفيض.

الطمي الخارج مع المياه قد يعرّض التوربينات والمفيض لمشاكل فنية ويؤدي إلى تآكل أجزاء حيوية في بنية السد.

احتمال وجود قيود إنشائية أو ضعف في البنية يمنع تشغيل جميع التوربينات بشكل متزامن، وهو ما يفسر التشغيل التبادلي.

 

التداعيات الإقليمية: هل نحن أمام كارثة محتملة؟

خلال الفترة القادمة، ومع استمرار تشغيل المفيض وتخفيض عدد التوربينات، سترتفع مناسيب البحيرة تدريجيًا مع استمرار موسم الأمطار، وهو ما يزيد المخاطر في حال لم تُدار هذه العملية بدقة. خبراء السدود يحذرون من أن أي خطأ في إدارة هذه الكميات الضخمة من المياه قد يؤدي إلى انهيار جزئي أو كلي للسد، ما يترتب عليه كارثة إنسانية وبيئية واقتصادية في كل من السودان ومصر.

    السودان سيكون الأكثر تضررًا بشكل مباشر في حالة حدوث فيضان مفاجئ، حيث ستغرق مدن ومناطق واسعة على طول النيل الأزرق.
    مصر قد تواجه أزمة غير مسبوقة في مياه الشرب والري، بالإضافة إلى مخاطر على السد العالي إذا اندفعت موجة ضخمة من المياه باتجاه بحيرة ناصر.

 

مشاكل في التوربينات: دلالة على ضعف السد؟

التشغيل التبادلي للتوربينات يعني أن إثيوبيا لم تستطع حتى الآن تشغيل جميع وحدات التوليد الكهرومائي بكفاءة، وهو ما يثير الشكوك حول:

سلامة الأنظمة الميكانيكية والهيدروليكية داخل السد.

احتمالية وجود أعطال أو عيوب في التصميم والتنفيذ تجعل تشغيل كل التوربينات في وقت واحد أمرًا محفوفًا بالمخاطر.

المياه المحملة بالطمي التي خرجت من حوض التوربينين المنخفضين قد تكون مؤشرًا على تراكمات غير محسوبة داخل القناة المائية، وهو ما يعزز المخاوف من تدهور أداء السد مع مرور الوقت.

 

التأثيرات البيئية والاقتصادية

إطلاق مياه محملة بالطمي بكميات كبيرة لن يضر فقط بالتوربينات، بل سيمتد تأثيره إلى النظم البيئية للنيل الأزرق، مسببًا تلوثًا وزيادة في الرواسب على طول مجرى النهر، مما يؤثر على جودة المياه والأنشطة الزراعية في السودان، بل وقد تصل تأثيراته إلى مصر أيضًا.

 

مخاطر محتملة حسب خبراء مصريين وسودانيين

من الجانب المصري

أستاذ الجيولوجيا وموارد المياه بجامعة القاهرة، عباس شراكي، يحذر من أن السد يمثل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي المصري والسوداني، لا سيما أن السد يقف على أرض معرضة للزلزال فضلاً عن ارتفاع المنسوب المائي. أضاف أنه في حال تعطّل التوربينات أو فشل السد، فإن "فيضًا مدمرًا" قد يضرب السودان، مهددًا حياة عشرات الملايين دون أن يتأثر سكان إثيوبيا، لأن السد يقع في منطقة غير مأهولة.

وفي تعليق آخر، أشار إلى أن وكالات دولية كانت تفضل تصميمًا أصغر، بحجم 11 مليار متر مكعب فقط، لكن إثيوبيا ضاعفت السعة، فارتفع الخطر إلى مستوى "قنبلة مائية" قد تسبب دمارًا أشد من الأسلحة النووية.

من الجانب السوداني

يشدد الخبراء السودانيون على أن سد النهضة يمثل تهديدًا مباشراً لأمن البلاد المائي والبساهم. فقد عبرت دولتهم عن مخاوفها من أن ملء السد بشكل مفاجئ أو تشغيله دون تنسيق قد يؤدي إلى كسر للسدود السودانية، مثل Roseires، ويعرض حياة عشرات الملايين للخطر.

 

السد يتحول إلى تهديد

الوضع الحالي في سد النهضة يكشف عن مرحلة حرجة قد تحمل في طياتها كوارث مائية إذا لم يتم التعامل معها بجدية وشفافية. استمرار الغموض الإثيوبي في إدارة السد، وعدم وجود اتفاق ملزم مع دولتي المصب، يجعل أي تطور غير محسوب في تشغيل المفيض أو التوربينات قنبلة موقوتة تهدد حياة ملايين البشر في حوض النيل الشرقي.