في مشهد متكرر من الخطابات الرنانة، وجّه عبد الفتاح السيسي بما سماه "إجراء مراجعة شاملة لأعمال الصيانة على مستوى شبكة الطرق ورفع كفاءتها"، وذلك خلال اجتماعه مع كامل الوزير وزير النقل ومسؤولي الهيئة العامة للطرق والكباري. هذا التوجيه يأتي بعد سنوات من التباهي بما وصفه النظام بـ"ثورة في تطوير البنية التحتية"، ومليارات الجنيهات التي أُنفقت في مشروعات طرق وكباري لم تكتمل قصتها بعد.

 

التوجيه بعد حادث وزير الكهرباء

المثير للتساؤل أن هذه التوجيهات لم تأتِ من فراغ، بل جاءت مباشرة بعد حادث السير الذي تعرّض له وزير الكهرباء مؤخرًا على إحدى الطرق التي يفترض أنها جزء من شبكة "الطرق المطورة". هذا الحادث يفضح زيف الادعاءات الرسمية بشأن جودة البنية التحتية، إذ كيف ينجو كبار المسؤولين من خطر الطرق، في حين يدفع المواطنون حياتهم ثمن هذه الفوضى يوميًا؟

الحادث كشف للجميع أن مشكلة الطرق ليست مجرد "سلوكيات سائقين" كما يزعم النظام دائمًا، بل أزمة حقيقية في جودة الأعمال، وغياب المتابعة، واستشراء الفساد في تنفيذ المشروعات.

 

الواقع يكشف التناقضات

المفارقة الصادمة أن هذه التوجيهات تأتي بعد أن أنفق النظام مليارات الجنيهات على مشروعات الطرق والكباري التي تم تسويقها باعتبارها "الأفضل في تاريخ مصر". السؤال الذي يفرض نفسه:
إذا كانت الطرق قد طُورت كما يدّعي السيسي والوزير كامل، فلماذا نحتاج إلى مراجعة شاملة بعد سنوات قليلة فقط؟

الحقيقة أن ما يعيشه المواطن اليوم من حوادث متكررة، وانهيار بعض الكباري، وتشقق الأسفلت بعد أشهر من افتتاحه، يؤكد أن ما جرى كان في أغلبه "شو إعلامي" أكثر من كونه تطويرًا حقيقيًا.
أين ذهبت المليارات؟

وفق تصريحات رسمية، تم تخصيص أكثر من 1.5 تريليون جنيه على مشروعات الطرق والكباري خلال السنوات الأخيرة. هذه الأرقام الضخمة كانت كفيلة بأن تضع مصر في مقدمة الدول من حيث جودة البنية التحتية، لكن الواقع مختلف.

  • الحفر والمطبات عادت بسرعة في طرق تم الإعلان عن تطويرها قبل عامين فقط.
  • كبارٍ انهارت أو ظهرت بها تشققات في مناطق عدة، منها بعض المحاور الحيوية.
  • حوادث الطرق ما زالت تحصد أرواح الآلاف سنويًا، رغم كل الوعود.

إذاً، على ماذا أنفق النظام كل هذه المليارات؟ وأين ذهبت أموال القروض التي تحمّلها المواطن؟

 

خداع إعلامي أم إنجاز وهمي؟

النظام ظل يروّج عبر الإعلام الرسمي ومؤيديه أن شبكة الطرق الجديدة وضعت مصر في المرتبة الأولى إفريقيًا، لكن الواقع المرير على الأرض يكشف أن كثيرًا من هذه المشروعات لم يكن هدفه سوى الاستعراض السياسي وتجميل صورة النظام أمام المؤسسات الدولية، لا تحسين حياة المصريين.

توجيهات السيسي الحالية ليست إلا اعترافًا غير مباشر بفشل خطة تطوير الطرق، وبأن الأموال التي أُنفقت لم تحقق الهدف المعلن.

 

دور كامل الوزير في المشهد

كامل الوزير، الذي لطالما ظهر في وسائل الإعلام مدافعًا عن إنجازاته، لم يقدّم حتى الآن تفسيرًا منطقيًا لسبب تدهور الطرق بعد هذه الفترة القصيرة. بل على العكس، استمر في سياسة التبرير، متهمًا المواطنين بسوء الاستخدام، ومبررًا الانهيارات بعوامل الطقس، متجاهلًا أن الطرق في الدول المتقدمة تتحمل لعشرات السنين دون أي انهيارات تُذكر.

 

ثمن الفشل يدفعه المواطن

المشكلة الكبرى أن فاتورة هذا الفشل يتحملها المواطن المصري، سواء من خلال:

  • زيادة الرسوم والضرائب لتمويل مشروعات جديدة.
  • ارتفاع أسعار السلع بسبب الأعطال المرورية الناتجة عن الطرق الرديئة.
  • خسائر الأرواح في الحوادث التي لا تتوقف.

 

الخلاصة: نفس الدائرة المغلقة

توجيهات جديدة، لجان جديدة، اجتماعات لا تنتهي، ومليارات جديدة تُنفق تحت شعار "التطوير"، بينما النتيجة واحدة: المواطن يظل آخر من يستفيد، وأول من يدفع الثمن.

السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن: إذا كان السيسي صادقًا في توجيهاته، فلماذا لم يحاسب وزير النقل أو أي مسؤول عن انهيار الطرق بعد كل هذه المليارات؟ أم أن الهدف هو الاستمرار في نفس الدائرة من المشروعات التي لا تنتهي لفتح أبواب القروض وصفقات المقاولين المقربين من النظام؟