في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الانتخابات حدثًا ديمقراطيًا يجذب اهتمام الشارع المصري، انطلقت جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشيوخ وسط غياب كامل للتوعية والإعلام الفعّال، ما جعل كثيرًا من المواطنين يكتشفون وجود الانتخابات من خلال اللجان نفسها، لا عبر حملات إعلامية أو نقاشات عامة.
غياب الوعي الشعبي
لم يشعر المواطنون بأي حراك انتخابي حقيقي، فالشوارع بدت خالية من اللافتات الدعائية، والبرامج الانتخابية تكاد تكون منعدمة.
الأمر الذي جعل التساؤلات تتصاعد: كيف لمواطن بسيط أن يشارك في عملية انتخابية لم يعرف بموعدها إلا في اللحظات الأخيرة؟
وهل يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية في ظل هذا التعتيم الإعلامي المتعمد أو الإهمال الواضح؟.
انطلاق جولة الإعادة
المصريون بالخارج بدأوا التصويت أيام 25 و26 أغسطس 2025 عبر أكثر من مائة مقر انتخابي في حوالي 117 دولة، ضمن إطار السفارات والقنصليات المصرية، بينما في الداخل: جولة الإعادة مقررة أيام 27 و28 أغسطس 2025 في مصر.
الدوائر والمرشحون
الإعادة تجري في خمسة محافظات هي: الغربية، الإسماعيلية، بني سويف، الأقصر، والوادي الجديد.
يتنافس عشرة مرشحين—اثنان في كل دائرة—على المقاعد الخمسة المتبقية في النظام الفردي.
النظام الانتخابي الكامل
يتكون مجلس الشيوخ من 300 مقعد:
- 200 مقعد انتخابي: نصفها عبر الدوائر الفردية (نظام جولة إعادة ثنائية)، والنصف الآخر عبر قوائم مغلقة حزبية.
- 100 مقعد معين من قبل رئيس الجمهورية.
في هذه الدورة:
- تم حسم 95 مقعدًا فرديًا في الجولة الأولى.
- القائمة الوحيدة التي شاركت في نظام القوائم هي "القائمة الوطنية لمصر"، والتي فازت بـ 100 مقعد بدون منافسة بعد تجاوزها نسبة الـ 5% المطلوبة.
انتخابات بلا منافسة
الانتخابات الحالية توصف من قبل مراقبين بأنها شكلية، إذ يغيب عنها التنافس الحقيقي لصالح قوائم مغلقة مسيطَر عليها، ما يكرّس فكرة أن العملية الانتخابية أصبحت مجرد إجراء لإضفاء شرعية شكلية، وليس وسيلة لتداول الأفكار أو تحسين التشريعات.
المواطن غائب.. أم مُغيَّب؟
المفارقة أن المواطن هو المعني الأول بهذه الانتخابات، لكنه يبقى آخر من يعلم عنها، في وقت تزداد فيه أزمات المعيشة وضغوط الحياة اليومية التي تجعل الناس في حالة عزوف كامل عن أي حديث عن السياسة أو المشاركة الانتخابية.
انتقاد الأداء الحكومي والإعلامي
الحكومة، التي طالما تحدثت عن الشفافية والمشاركة السياسية، فشلت في تقديم نموذج حقيقي للإعلام الانتخابي النزيه، بينما تحول الإعلام الرسمي إلى بوق للترويج لأسماء بعينها أو للتعتيم على حقيقة ضعف المشاركة الشعبية. هذه الفجوة بين السلطة والمواطنين تؤكد أن الانتخابات في صورتها الحالية فقدت روحها ومضمونها.
إلى أين يتجه المشهد؟
إذا استمر هذا النهج في إدارة الاستحقاقات الانتخابية، فإن النتيجة لن تكون سوى مزيد من العزوف الشعبي، وفقدان الثقة في جدوى المشاركة، وهو ما يشكل خطرًا على الحياة السياسية برمتها.
المواطن في الظل مرة أخرى
بالرغم من وضوح الجدول الزمني والتنظيم الفني للجولة، يبقى المواطن العادي آخر من يعلم بأن هذه الانتخابات جارية. الإعلام الرسمي غائب تمامًا، والإعلانات برتوكولية لا تصل إلى عمق الشارع، ما يحول الانتخابات إلى طقس شكلي يهم السلطة أكثر من الناس.
الصورة.. الأزمة واضحة
- نظام انتخابي تقني متين، لكن الروح الديمقراطية منعدمة.
- قوائم مغلقة بلا منافسة حقيقية.
- مشاركة ضئيلة تشير إلى عزوف شعبي أوسع.
- المواطن لا يُستدعى للمشاركة، بل يُترك ليكتشف عن طريق الصدفة أن هناك انتخابات قائمة.
إن استمرت الأمور بهذا المنحى، فإن هذه الانتخابات ستصبح إجراءً روتينيًا، لا يُترجم إلى شعبية أو تأثير حقيقي. الديمقراطية لا تنفخ الروح إلا إذا وجد المواطن منصّة حقيقية ليُعبر ويشارك.