انتشرت مساء 24–25 أغسطس 2025 صور لجلسة تصوير لعروسين داخل مسجد في منطقة كرداسة بمحافظة الجيزة، ما أثار موجة نقد واسع على منصات التواصل ووسائل الإعلام.

نقلت عدة صحف ومحطات أن قطاع المساجد بوزارة الأوقاف قرر إحالة إمام المسجد إلى التحقيق بسبب السماح بإجراء جلسة التصوير داخل المسجد، مع تأكيد الوزارة أن التصوير داخل المسجد يقتصر على عقد القِران فقط.

في المقابل صرّح مسؤول بالوزارة أن التحقيق جارٍ وأنه لم يُحال أي إمام للتحقيق، في لحظةٍ من التصريحات المتضاربة، ما يعكس ارتباكاً اتصالياً في إدارة الأزمة.

على الطرف الآخر، عبّرت أسرة العروس عن أن الهدف إدخال السرور ولم يكن هناك نية لتجاوز ضوابط دينية، وهو بيان يمثّل زاوية المجتمع المدني والناس العاديين قبل تدخل الأجهزة.

وفقاً لتقارير محلية، تم اعتبار هذا التصرف مخالفاً للضوابط الدينية وقوانين وزارة الأوقاف التي تحظر استخدام المساجد لأغراض لا تتناسب مع قدسيتها.

وقد أثار هذا الحدث تساؤلات حول مدى سيطرة الدولة على إدارة المساجد واستخدامها، خاصة مع قوانين صارمة تم فرضها في عهد السيسي للحد من الاستقلالية الدينية للأئمة والمساجد.
 

سياسات حكومات السيسي.. إبعاد المصريين عن الارتباط بالمساجد والإسلام
في السنوات الماضية، اتبعت حكومات السيسي سياسة قائمة على تعزيز سيطرة الدولة على المساجد من جهة، وتقليص دورها المجتمعي التقليدي من جهة أخرى، على سبيل المثال، إغلاق العديد من المساجد لفترات طويلة، تقييد عمل الأئمة وتعيين آخرين من قبل وزارة الأوقاف يلتزمون بسياسات الدولة، فضلاً عن حملة لإبراز المساجد كمراكز تعليمية بدل نشاطات العبادة التقليدية.

يرى كثيرون أن هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل النفوذ الديني المسامي وتعزيز خطاب رسمي تحت سيطرة الحكومة، وهو ما يساهم في إبعاد الناس عن ارتباطهم الإسلامي التقليدي أو تحجيم دور المساجد كمراكز للعبادة والتربية الروحية.

في بدايات 2025، أعلن السيسي نفسه حاجته "لاستغلال المساجد لتعليم الطلاب بدلاً من بناء مدارس"، وهو ما استقبل بغضب من بعض المصريين الذين يرون في ذلك تقليصاً لطبيعة المساجد الدينية الأصيلة.
 

أرقام وإحصاءات تدعم التحليل
الرقم المتكرر في التغطيات الحكومية والصحفية عن المساجد المغلقة يعود إلى 2014 حين أعلن وزير الأوقاف أن نحو 3400  مسجد مغلق لأسباب مختلفة (ميزانية/صيانة/ضوابط).

الوزارة أعلنت تنفيذ خطط توحيد الخطبة بمئات الموضوعات خلال خمس سنوات، مثال: 270 موضوعًا قُدِّمت كخطة في سنوات سابقة.

خلال 2024–2025 تصدرت نقاشات مهنية قرار الأوقاف بمنع تصوير بعض الشعائر (مثل الجنازات)، واحتجت نقابة الصحفيين على هذا المنع بوصفه مساسًا بحرية الصحافة وحق الجمهور في المعرفة.

هذه الوقائع تظهر امتداد القيود على استخدام الكاميرا والبث داخل المساجد.
 

كيف تؤثر هذه السياسات على المجتمع المصري؟
تُظهر الدراسات واستطلاعات الرأي أن هذه الإجراءات تزيد من حالة الاغتراب الديني والاجتماعي لدى فئات كبيرة من المصريين، خاصة الشباب.

ففي دراسة أجريت في 2016 عبر مركز "تكامل مصر"، أبدى 74% من المصريين رفضهم لاستمرار نظام السيسي، مع ارتفاع الرفض إلى 81% بين الشباب دون سن الأربعين، ويرون أن التحكم الحكومي في المساجد يقلل من استقطاب الأجيال الجديدة للرباط الديني.

علاوة على ذلك، تسجل التقارير الدولية انتهاكات لحريات الدين وحرية التعبير في مصر، مع قمع أي أصوات دينية مستقلة قد تنتقد النظام، ما يورث حالة من الاحتقان وعدم الثقة في المؤسسات الدينية الرسمية التي تتبع حكومياً.
 

الأوقاف والسياسات الدينية
دخل نواب البرلمان والاقتصاديون في نقاشات متزاحمة حول إدارة الأوقاف وتوظيف المساجد.

مراقبون يرون أن تعيين أئمة تابعين للحكومة لا يساعد في خلق بيئة دينية صحيحة، بل يخدم أجندات سياسية أكثر من الخدمة الدينية.

كما أشار اقتصاديون إلى أن تركيز الدولة على سيطرة الأوقاف والسياسات الدينية يأتي على حساب استثمارات مجتمعية في التعليم والصحة، بالإضافة إلى التركيز على دور الجيش في الاقتصاد والسيطرة على عدة قطاعات، مما أدى إلى نمو اقتصادي سريع ظاهري لكنه على حساب الفقر والطبقات الكادحة.
 

هل يستدعي الأمر تحقيقاً مع الإمام؟
في حالة إحالة الإمام للتحقيق في الجيزة، يثار سؤال جوهري: هل القضية مجرد مخالفة قانونية من باب استخدام مكان ديني لمناسبة غير دينية، أم هي تعبير عن سياسة أوسع ترمي إلى قمع أي نشاط ديني خارج السيطرة؟ الإجابة تميل إلى أن الإجراءات ضد الأئمة ليست مجرد انضباط ديني، بل تشمل استعراض قوة وضبط متزايد على المساجد لمنع ظهور أي صوت مستقل أو نشاط مغاير لرؤية النظام الرسمي.

بالتالي، فإن التحقيق مع الإمام قد يكون تطبيقاً لسياسة إقصائية لا تعكس بالضرورة مصلحة الدين أو المصلين، بل مصلحة سياسية ذات حسابات أمنية واجتماعية.

هذا التقرير يعكس واقعاً معقداً يتغذى من سياسات حكم السيسي التي تستهدف تحكمًا مركزياً في الحياة الدينية، في محاولة لإعادة تشكيل علاقة المصريين بالمساجد والإسلام وفق أطر تضمن بقاء السيطرة السياسية وتثبيت السلطة، بأساليب رسمية وإجراءات إدارية تقيد العمل الديني التقليدي وتعزل المساجد عن دورها كمرجع روحي ومجتمعي شعبي.

للفئات التي تؤمن بحرية الممارسة الدينية المستقلة، فإن هذه السياسات تشكل أزمة عميقة وخطرة تسهم في تعميق الفجوة بين الشعب والدولة، وتجعل المساجد مجرد أدوات من أدوات الدولة لا أكثر.

ويبرز التحقيق مع أحد الأئمة كجزء من هذا التوجه الذي يعكس حالة تأزم في السياسات والإدارة الدينية تحت حكم عبد الفتاح السيسي.