روى معتقل سابق تفاصيل 11 شهرًا قضاها داخل سجن وادي النطرون، حيث تحولت صفحته الرائجة على مواقع التواصل الاجتماعي من منصة للتعبير إلى ذريعة لاعتقاله.

وكشف المعتقل في شهادته كيف جُرِّد هو ورفاقه من أبسط حقوقهم، بدءًا من مصادرة متعلقاتهم الشخصية وأموالهم، وصولًا إلى ابتزاز أسرهم، في وقت يعيش فيه المعتقلون أوضاعًا وصفها بـ"الصعبة والقاتمة". وأضاف أن محنته لم تنتهِ بخروجه، إذ يواجه اليوم تهديدات متواصلة، بينما توقفت حياته وحياة أسرته بالكامل.

قصة هذا المعتقل ليست إلا حلقة في سلسلة طويلة من المآسي، إذ تشهد مصر منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 حملة أمنية شرسة يقودها قائد الانقلاب الحالي عبد الفتاح السيسي، طالت آلاف المعارضين وأنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، إضافة إلى أصوات أخرى من مختلف أطياف المعارضة، وفقًا لـ"عربي21".

 

الرقابة الأمنية لصفحتي

المعتقل الستيني، والموظف السابق في إحدى الشركات الصناعية الخاصة، يقول: "اضطررت ومعي مئات العاملين للخروج على المعاش المبكر، مع إفلاس الشركة، وفتحت صفحة عبر (فيسبوك)، لخدمة المجتمع ونشر أنباء الوفاة والزواج والحوادث والأخبار المحلية".

وتابع: "دون الحديث عن أي شيء يتعلٍّق بالجانب السياسي، تعدّت الصفحة أكثر من 30 ألف متابع بجانب 5 آلاف صديق"، مشيرا إلى أنّه جرّاء ذلك باتت تصله تحذيرات الأمن الوطني، لحذف بعض الأخبار.

وأوضح: "رواج الصفحة كان سببا مباشرا في وضع الأمن الوطني عيونهم علي، والتفتيش في سجلّي الأمني وتاريخ عملي الاجتماعي، ليصلوا إلى أنشطة سابقة في تنظيم صلاة العيد بالخلاء، وصلات طيبة ببعض شخصيات محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، والمعتقلين حاليا منذ عام 2013، إلى جانب دوري السابق في المشاركة بالإشراف على بناء مسجد بقريتي".

وأضاف: "في ليلة ودون أي مقدّمات اقتحموا بيتي، وقبضوا علي من فوق سريري، بعدما حطموا كل ما وجدوه قابلا للكسر، وسرقوا الهواتف، واقتادوني مع حملة أمنية كبيرة لقرى ومدن أخرى، حتى الفجر، وحينها وصل العدد 47 معتقلا، تمّت إهانتهم جميعا والاعتداء عليهم وسبهم بأسوأ الألفاظ، وأنا بينهم".

 

حبس بلا جناية

لفت المعتقل السابق إلى أنهم: "وجّهوا لكل هذا العدد تهما على غير الحقيقة بـ(كتابة عبارات على الحوائط ضد النظام، وتشكيل تنظيم سري لقلب نظام الحكم)، رغم أننا لا نعرف بعضنا، ومن بلاد متفرقة ومهن مختلفة، وحاولنا مرارا نقل هذه الصورة في تحقيقات الأمن الوطني، والنيابة العامة، وعبر المحامي أمام المحكمة، لكن لا أحد يسمع ويُتخذ القرار كل مرة بتجديد حبسنا بلا أي تهمة أو جناية".

 وأبرز: "عشنا أسوأ الأيام بمركز احتجاز تابع لمحافظة الشرقية، نوم على الأرض في الشتاء، وتكدّس رهيب واختناق في الصيف، ولا توجد منافس تهوية، وحمام غير آدمي، ولا طعام يليق بإنسان، ولا معاملة آدمية، وإهانة لأهالينا وقت الزيارة أمام عيوننا، وطعام زيارة يتم سرقة أفضل ما فيه، ووضعه فوق بعضه وعجنه بطريقة تجعله غير مقبول".

 

سيارة الترحيلات

"تم نقلنا إلى سجن وادي النطرون، لنعيش أسوأ تجربة يمكن أن يعيشها إنسان داخل صندوق حديدي لـ6 ساعات بين الإجراءات والطريق في صيف صحراء مصر" تابع المعتقل السابق مردفا: "كدنا نموت أكثر من مرة، ولم تشفع توسلاتنا بأن يتم منحنا نقطة مياه باردة؛ كدنا نلقى ذات مصير معتقلي سيارة الترحيلات".

وقبل 12 عاما، وفي 18 أغسطس 2013، قُتل 37 معتقلا من أنصار جماعة الإخوان المسلمين اختناقا وحرقا داخل سيارة تابعة للشرطة، خلال ترحيلهم من قسم شرطة مصر الجديدة بالقاهرة، إلى سجن أبوزعبل في القليوبية.

وبيّن المعتقل السابق: "أزمة أسرنا تضاعفت، مع النقل لوادي النطرون حيث مشقة مسافة الزيارة، وتلف الطعام الذي لا يصل لنا إلا ربعه، ورغم اعتمادي على طعام السجن الذي يتكون من الفول والعدس المصنوعين بأسوأ طرق الطهي، ووجبتي بروتين دجاج ولحوم مرة كل أسبوع غير ناضجة (نسف سوى)، نضطر إلى الشراء من الكانتين، وهنا مشكلة أخرى".

واسترسل بالقول: "أسرتي كانت تضع لي مبلغا في الكانتين مع كل زيارة، لكنه لا يكفي، لكون الطعام غالي الثمن، بالإضافة إلى طمع الذين يطلبون مقابل كل خدمة مبالغ لا تنتهي".

 

تكسب ووشاية..

أوضح المتحدّث نفسه: "بعض العاملين في السجن يتربّحون من جلب الطعام لنا، ويُسمح لهم بالهواتف التي يتكسبون منها، ويوجد بكل عنبر شاشة تليفزيون، وسخانات كهربائية للطهي وتسخين الطعام، إلى جانب زيارات مفتوحة بشكل دائم وخروج من العنابر من 8 صباحا حتى 4 مساءا".

وأورد: "لم نكن نتوقع الإفراج عنا بعد 11 شهرا فقط، وتخوفنا من أن يتم تدويرنا في قضية أخرى، وتحقق الحلم، ولكن قبل خروجنا جرى تحذيرنا بأنه سوف يتم إعادة القبض علينا لو تم رصد أي تحرك لنا".

 

توقفت حياتنا

"حاليا لا أخرج من بيتي مخافة ملاحقتي لأي سبب، ولا أستطيع السفر إلى أي مكان، ولا يمكنني إعادة تفعيل صفحتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل إنني لا أشارك في أي مناسبات اجتماعية من عزاء أو أفراح، وقررت التقرب من المرشحين التابعين لحزب (مستقبل وطن) في انتخابات مجلس النواب المقبلة" أكد المتحدث ذاته.

وفي السياق، كشف مواطن آخر يقوم على إدارة صفحة نشطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن "مراقبة الأمن الوطني لما ينشره، بشكل يومي، وإرسالهم تحذيرات شبه يومية لمنع هذا الخبر وإضافة آخر".

وسرد واقعة كتابته منشورا عن "حريق وقع في إحدى القرى وغياب قوات الدفاع المدني وتوجيه نداء استغاثة لوزير الداخلية والمحافظ ومدير الأمن"، مبينا أنه "خلال وقت قصير جاءت المطافئ وتم البحث عني، ووجه لي أحد الضباط تحذيرا بأن المرة القادمة لن أرى الشمس، وطلب حذف المنشور وكتابة آخر، حول دور الوزارة والدفاع المدني وحضوره السريع".

ومنذ 12 عاما تشهد مصر غلقا للمجال العام وأصدرت سلطات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، عدّة قوانين ومواد قانونية لتغيض عقوبات قضايا النشر والكتابة عبر الإنترنت.

وكما تستخدم (المادة 188)، من قانون العقوبات، ضد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، تطبق بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب، بحق منشورات الإنترنت، بجانب مواد (27 و28 و30)، من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لتوجيه تهم نشر الأخبار الكاذبة أو استخدام الإنترنت بجرائم تهدد الأمن القومي أو النظام العام، وتعاقب عليها بالحبس والغرامة.