في مشهد مخيف يكشف حجم الفوضى والإهمال، ضبطت أجهزة التموين في محافظة الدقهلية طنينًا من الزيوت المعاد تدويرها داخل مكان غير مرخص.
التموين أكدت أن الزيوت المضبوطة غير صالحة للاستهلاك الآدمي.

لكن السؤال الأخطر: كيف وصلت هذه الكمية الضخمة إلى الأسواق؟ ولماذا يسمح للباعة الجائلين بجمع الزيت المستعمل علنًا تحت أعين الحكومة دون أي تدخل حقيقي؟
 

ظاهرة تحت حماية الصمت الرسمي
منذ سنوات، أصبحت أصوات الباعة الجائلين مألوفة في شوارع القرى والمدن: "زيت محروق.. أدوات مطبخ هدية!"
هؤلاء يجوبون الشوارع بلا تراخيص، يجمعون الزيت المستعمل من البيوت مقابل سلع رخيصة، ليعاد تدويره في مصانع بير السلم.
المشهد يتكرر يوميًا دون أن تتحرك وزارة التموين أو الصحة، وكأن حياة المصريين لا تساوي شيئًا أمام شبكة فساد تحمي هذه التجارة القاتلة.

الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق علق سابقًا بحدة:

"ما يحدث جريمة دولة، لأن الحكومة تعرف أن هناك شبكة كاملة تعمل تحت بصرها. الفساد والرشاوى سبب استمرار هذه الكارثة، والمواطن البسيط هو الضحية."

 

سموم على موائد الفقراء
هذه الزيوت المعاد تدويرها تدخل في تصنيع الفلافل، المخبوزات، وحتى الحلويات الشعبية. المواطن يظن أنه يشتري طعامًا عاديًا بينما يضع في فمه مركبات مسرطنة قاتلة.

الدكتور محمد صلاح، أستاذ الصحة العامة، يحذر:

"إعادة استخدام الزيت المحروق ينتج مركبات مثل الأكرلاميد التي تسبب السرطان. الاستهلاك المستمر لهذه الزيوت يرفع معدلات أمراض الكبد والكلى والقلب بشكل مرعب."

 

شهادات من قلب المعاناة
أم محمود، ربة منزل من المنصورة، تقول:

"بييجوا كل أسبوع يجمعوا الزيت المحروق مقابل طبق بلاستيك. إحنا مش عارفين إنه بيرجع في الأكل تاني. لو الدولة بتخاف علينا كانت منعتهم."

أما مصطفى، عامل بسيط من المحلة، فيقول:

"أنا كل يوم بفطر فول وطعمية من عربية في الشارع. بعدين أسمع إنهم بيقلي بزيت معاد تدويره! ليه الحكومة سايبة ده يحصل؟ إحنا غلابة نموت؟"

هذه الأصوات تكشف أن المواطن لم يعد لديه ثقة في الحكومة التي تركته يواجه الموت بيديه.
 

الحكومة.. بيانات فارغة وإجراءات غائبة
وزارة التموين تصدر بيانات شكلية بعد كل ضبطية، لكنها لا تمنع الظاهرة. لا حملات توعية، لا قوانين صارمة، ولا رقابة حقيقية. فقط مسرحية ضبط بعد أن تتحول القضية إلى ترند على مواقع التواصل.

الدكتور هشام عز العرب، خبير الصناعات الغذائية، يقول:

"لو الحكومة عايزة توقف الكارثة، لازم تمنع جمع الزيت المستعمل بشكل كامل وتفرض عقوبات مغلظة. لكن يبدو أن هناك من يستفيد من استمرار هذا الوضع."

 

الخطر أكبر مما نتصور
الزيوت المعاد تدويرها ليست فقط خطرًا صحيًا، بل جريمة منظمة تهدد الأمن القومي الغذائي. استمرارها يعني ارتفاع معدلات السرطان بين الفقراء بشكل كارثي خلال السنوات القادمة.

الدكتورة منى مكرم، خبيرة التغذية، تعلق:

"نحن أمام أزمة وطنية. إذا لم تتدخل الدولة بجدية، سنرى انفجارًا في معدلات الأمراض المزمنة. الأمر يحتاج لرقابة ومحاسبة فورية."

 

الحل الغائب.. أم الحكومة شريك في الجريمة؟

الحل واضح:

  • منع جمع الزيت المستعمل بقرارات صارمة.
  • تشديد الرقابة على المطاعم والأسواق.
  • حملات توعية واسعة للمواطنين.
  • محاسبة المسؤولين المتقاعسين والمرتشين.

الدكتور عصام عبد الشافي، الباحث في السياسات العامة، يختتم بلهجة قاسية:

"الحكومة التي تسمح ببيع سموم للشعب شريكة في الجريمة. إذا لم تتحرك الآن، فلتتحمل مسؤولية موت آلاف المصريين ببطء."

 

الخلاصة: حياة المصريين ليست لعبة سياسية!
القضية لم تعد مجرد فساد تجاري، بل إهمال حكومي يرقى إلى حد الخيانة. المصريون يموتون ببطء، والزيت المحروق يجري في عروقهم، بينما الحكومة تكتفي بالشعارات.

السؤال الآن: إلى متى تظل صحة المواطن أرخص من صفقة زيت مغشوش؟