في الوقت الذي يواصل فيه النظام المصري تسويق علاقاته مع الاحتلال الإسرائيلي بوصفها “سلامًا استراتيجيًا” ممتدًا منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، تكشف الصحافة العبرية بين الحين والآخر عن صورة مغايرة تمامًا، لا تُخفي قلق تل أبيب من القاهرة، بل وتكشف عن خطط عملية لتحويل أوراق التعاون الاقتصادي والسياسي إلى سلاح ابتزاز مباشر ضد مصر.
صحيفة “إسرائيل اليوم” ذهبت أبعد من مجرد التحليل الأمني، مؤكدة أن العلاقة مع القاهرة ليست شراكة متينة بل أقرب إلى “حرب باردة”، وأن الاحتلال بدأ يتعامل مع مصر بوصفها خصمًا محتملًا، مع ضرورة ترويضها عبر الغاز والضغط الأمريكي.
جيش ضخم في مرمى الشكوك الإسرائيلية
أبرز ما ركزت عليه الصحيفة هو حجم الجيش المصري وتطوره التسليحي، حيث اعتبرت أن امتلاك القاهرة لأعداد ضخمة من الدبابات والطائرات والغواصات يمثل “لغزًا مقلقًا” لإسرائيل.
وتساءلت: لماذا تبني مصر مدارج طيران جديدة في سيناء وتشق أنفاقًا استراتيجية، في وقت تزعم فيه التزامها بروح اتفاقية السلام؟ ونقلت عن رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي قوله إن الجيش المصري وإن لم يشكّل تهديدًا مباشرًا الآن، إلا أن المعادلة قد تنقلب “بين ليلة وضحاها”.
هذه النظرة تؤكد أن الاحتلال، رغم التحالفات الرسمية، لا يزال يُبقي مصر في خانة “العدو الكامن” الذي يمكن أن يتحول إلى خطر حقيقي.
غزة.. ذريعة لتأزيم العلاقة
من زاوية أخرى، رصد التقرير العبري مواقف مصر الرافضة لمخططات تهجير سكان غزة إلى سيناء، معتبرًا أن السيسي يستخدم هذا الرفض لتعزيز مكانته داخليًا وإرضاء الشارع المصري الغاضب من الاحتلال.
الصحيفة اعتبرت أن الخطاب الإعلامي والشعبي في مصر لا يزال عدائيًا ضد إسرائيل، ما يجعل العلاقة مرشحة للاشتعال في أي لحظة، رغم الترويج الرسمي لشعارات “السلام”.
الغاز.. السلاح الأخطر في يد الاحتلال
أخطر ما كشفته الصحيفة هو الدعوة المباشرة لاستخدام ورقة الغاز للضغط على مصر. فالقاهرة باتت تعتمد بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي لتأمين الكهرباء وتلبية احتياجات السوق المحلي، فضلًا عن تصديره لأوروبا.
وذكرت الصحيفة أن الصفقة الأخيرة، التي ستستورد بموجبها مصر 130 مليون متر مكعب من الغاز من حقل “ليفياثان” بقيمة 35 مليار دولار على مدى 14 عامًا، تمثل نقطة ضعف استراتيجية.
إذ يكفي وقف الإمدادات أو التلويح بقطعها لشل الاقتصاد المصري وإغراقه في أزمة طاقة خانقة.
بهذا يكون السيسي قد رهن مستقبل أمن الطاقة المصري في يد الاحتلال، فاتحًا الباب أمام ابتزاز سياسي لا ينتهي.
النفوذ الأمريكي.. العصا الثانية ضد القاهرة
لم يقتصر التهديد الإسرائيلي على الغاز، بل امتد إلى استخدام نفوذ تل أبيب داخل واشنطن.
فالتقرير أشار بوضوح إلى إمكانية تحريك الكونغرس والإدارة الأمريكية –خصوصًا الجمهوريين المقربين من ترامب– ضد القاهرة، إذا ما واصلت مصر “انحرافها” عن المسار المطلوب إسرائيليًا.
وبذلك تتحول واشنطن إلى ساحة ضغط إضافية على النظام المصري، الذي يعتمد على الدعم الأمريكي في بقائه السياسي والعسكري.
سلام على الورق.. خيانة في الواقع
ما تكشفه هذه التصريحات والتقارير ليس مجرد تقييم أمني، بل خريطة طريق واضحة لإخضاع مصر عبر أدوات اقتصادية وسياسية.
وبينما يروّج السيسي نفسه كضامن للسلام والاستقرار، فإن سياساته الطاقية والاقتصادية جعلت مستقبل مصر مرهونًا بالاحتلال، في خيانة واضحة لمصالح الشعب.
فـ”السلام” الذي يُسوّق في الخطاب الرسمي لم يعد سوى ورقة إذعان، بينما تتحول أدواته –الغاز والضغط الأمريكي– إلى قيود تكبّل مصر وتضع سيادتها على المحك.