في عام واحد مضطرب سياسيًا (2012/2013)، حاول الرئيس الشهيد محمد مرسي أن يضع بوصلة الاقتصاد نحو العدالة الاجتماعية قبل أي حسابات شعبوية أو إرضاء للمؤسسات المالية.
أبرز خطوة كان أثرها المباشر على ملايين الأسر هي رفع الحد الأدنى للأجور لموظفي الدولة، وهو ما استفاد منه نحو 1.9 مليون موظف وفق رصد صحفي مستقل لإنجازات العام الأول من حكمه.
هذا القرار عنى ببساطة نقل شريحة واسعة من العاملين من هامش الفقر إلى بداية السلم المعيشي، وربط الأجر بكرامة العمل لا بالولاء السياسي.
ولم يتخل مرسي عن حماية الفقراء في ملف الضرائب، ففي 10 ديسمبر 2012 أوقف سريان قرارات بزيادة ضرائب على سلع أساسية بعد ساعاتٍ فقط من صدورها، استجابةً لغضب الشارع وخشيةً من تحميل محدودي الدخل كلفة التصحيح المالي.
هذا التراجع السريع كان رسالةً واضحة بأن سلامة الناس قبل الأرقام، وأن أي إصلاح لا يمر عبر التوافق المجتمعي لا مكان له.
بينما يتعرض حكم عبد الفتاح السيسي في مصر لأشد الانتقادات داخلياً وخارجياً حول سياساته الاقتصادية والاجتماعية والقمع السياسي، يحتاج المشهد إلى مراجعة حول ما قدمه الرئيس محمد مرسي في فترة حكمه القصيرة، خاصة في مجال العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف ملايين المصريين.
هذا التقرير يسلط الضوء على الأرقام والإحصاءات والتصريحات التي ترصد الفروقات بين العهدين وكذلك يُبرز أسباب معارضة نظام السيسي من منظور الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.
العدالة الاجتماعية في عهد الرئيس مرسي.. خطوات وسط تحديات كبيرة
في عهد محمد مرسي، وعلى الرغم من قصر فترة حكمه بعد ثورة يناير 2011، بدأت مؤشرات العدالة الاجتماعية في الظهور، أبرزها كانت محاولات رفع الحد الأدنى للأجور لأكثر من 1.9 مليون موظف حكومي، وهو رقم ذي دلالة على التركيز على تحسين مستوى المعيشة للطبقة العاملة والمتوسطة.
ووفقًا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن حكومة مرسي بدأت في مائة يومها الأولى خطوات ملموسة لصالح الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رغم ظروف سياسية واقتصادية صعبة للغاية، كما تمت المحافظة على استقرار نسبي لمعدلات التضخم مقارنة مع الأعوام التي تلتها.
التزام مرسي بتوفير مستوى معيشي كريم كان واضحًا في تصريحاته ودعوته المستمرة لدعم الطبقات الفقيرة ومكافحة الفساد وعدم التمييز في توزيع الثروة، وكان يرفض بشدة أن يُضحى بحقوق المصريين الاقتصادية والاجتماعية مقابل أي مصلحة سياسية.
الحد الأدنى للأجور..
خلال فترة حكم مرسي، حاولت الحكومة تحسين الحد الأدنى للأجور الذي كان قد ثبت عند 700 جنيه مصري لمدة طويلة، وبالرغم من عدم تنفيذ زيادات كبرى خلال فترة حكمه التي لم تتجاوز العام، إلا أنّ الإجراءات التي أُعلن عنها مستندة إلى رؤى تهدف لتوزيع عادل للدخل وتحسين وضع الملايين من موظفي الجهاز الحكومي، الذين أظهرت إحصائيات تعدادهم تقريبًا 1.9 مليون موظف رسمي في الجهاز الإداري.
رفع الحد الأدنى للأجور بعد مرسي كان في سبتمبر 2013، أي مباشرة بعد سقوط حكمه، حيث تم رفعه إلى 1200 جنيه رسميًا في يناير 2014، وهي خطوة وضعتها السلطة الانتقالية بعد الانقلاب، لكن استحقت الجدال حول من أرسى ملامح العدالة الاجتماعية أصلاً.
واقع العدالة الاجتماعية تحت حكم السيسي..
على النقيض، يواجه حكم السيسي موجة انتقادات حادة بسبب تراجع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لأغلب المصريين. في 2024 و2025، سجلت تقارير حقوقية دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" تدهورًا كبيرًا في الأوضاع الاقتصادية وحقوق الإنسان، منها ارتفاع الفقر، زيادة معدلات التضخم، وتردي الخدمات الأساسية كالخبز والكهرباء والماء.
فقد شهد العام 2024 زيادة مستمرة في أسعار المواد الأساسية وارتفاع عبء الديون الخارجية مع اعتماد الحكومة على مشاريع البنية التحتية المُكلفة والتي لا تلمسها الجماهير بشكل مباشر.
الاقتصاديون والسياسيون البرلمانيون يصرحون بأن ما يحدث هو "ركود اقتصادي مدمر يؤدي إلى اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء"، مع غياب أي أفق لتحسين الوضع المعيشي للطبقات الوسطى والفقيرة.
بينما أشار النائب البرلماني أحمد الأستاذ إلى أن "الأوضاع أصبحت مأساوية مع تصاعد معدلات البطالة وارتفاع أسعار السلع، مما يقوض أي وعود بالعدالة الاجتماعية".
في السياق ذاته، كثير من السياسيين والاقتصاديين أكدوا على أن نظام السيسي يستخدم القمع السياسي لتكميم حرية التعبير والاحتجاج السلمي، عبر قوانين مكافحة الإرهاب وقمع المعارضين، مما يلغي فرص المجتمع في المطالبة بحقوقه بطريقة سلمية أو حتى أي جهد سياسي حقيقي للمساهمة في صنع القرار.
إحصائيات صادمة تحت حكم السيسي
- سجلت مصر ارتفاعات قياسية في معدلات التضخم التي تجاوزت 30% في بعض الفترات من 2024، ما أثر سلبًا على القوة الشرائية للمواطنين.
- بلغ حجم القروض والمنح التي تلقتها مصر خلال 2024 ما يقارب 57 مليار دولار، لكنها تم توجيهها بشكل رئيسي لمشاريع ضخمة عسكرية وبنية تحتية، دون تحسينات ملموسة للطبقة المتوسطة والفقيرة.
- احتجزت السلطات تعسفيًا مئات النشطاء والمحتجين على خلفية الدعوات لتظاهرات ضد ارتفاع الأسعار وانقطاع الخدمات، مما يعكس غياب حق الاحتجاج والديمقراطية في البلاد.
- تجاوزت معدلات الفقر نسبًا غير مسبوقة، وسط تضاؤل فرص العمل وتدهور الأجور الحقيقية، الأمر الذي أدخل الملايين في دائرة الفقر المدقع.
أفصح عدد من النواب والاقتصاديين المصريين عن مواقف حادة، فالنائب أحمد الطنطاوي يقول: "الحكومة تتجاهل حاجات الناس الأساسية وتتجاهل رفع الأجور الحقيقية التي لا تغطي حتى الأسعار الحالية، الدولة تركز على مصالح نخبة صغيرة وتترك ملايين المصريين يعانون معيشياً".
كما أوضح الخبير الاقتصادي حسام الحضري أن "السياسات الاقتصادية للسيسي تزيد من الفجوة الاجتماعية وتعمل على تثبيت الطبقات الغنية على حساب الفقراء".
على النقيض، فإن تصريحات السيسي نفسها تؤكد على أن "القرارات الاقتصادية الصعبة ضرورية لتحقيق التنمية والاستقرار"، نافياً مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية على حكومته، مؤكداً أن "الحريات السياسية محدودة لضمان الأمن القومي".
الرفض الشعبي والتحدي السياسي
يشهد المشهد المصري مع عام 2025 تزايدًا في حالة الاستياء الشعبي وغياب فرص التعبير السياسي الحقيقي، نتيجة لاستبداد وحكم قمعي صارم يدمج القمع السياسي مع الفشل الاقتصادي والاجتماعي.
في المقابل، يتذكر كثيرون الملامح التي بدأها عهد مرسي من حيث محاولة العدالة الاجتماعية، التي ساهمت في رسم خريطة أولية لتوزيع أفضل للثروة والفرص، رغم ضعف الظروف والتدخل العسكري ضد خيارات التنمية الاجتماعية.
الأرقام التي تنصف المصريين هي تلك التي توثق حقوقهم في حياة كريمة، أجر عادل، وحرية التعبير.
في ظل حكم السيسي، تراجعت كل هذه الحقوق بشكل ملحوظ، مما أدى إلى أزمة حقيقية تنذر بتحولات واضطرابات.
هذا التقرير يعكس حجم التحديات الاقتصادية والسياسية الحادة التي تواجه مصر تحت حكم السيسي، مقارنة بملامح العدالة الاجتماعية التي حاول مرسي غرسها ضمن ظروف صعبة، لتكون أرقام رفع الحد الأدنى للأجور لـ1.9 مليون موظف مثالاً بارزاً لتحرك اجتماعي لم يتم استكماله بعد انقلبت الأمور في 2013.