في صباح اليوم السبت 23 أغسطس 2025، غرق ستّ طالبات وأُصيبت 24 أخريات في شاطئ "أبو تلات" بمنطقة العجمي غرب الإسكندرية أثناء رحلة تابعة لإحدى الأكاديميات الخاصة للضيافة الجوية.
"فقدنا ست أرواح.. ونتابع تقديم الرعاية للمصابين" من بيان وزارة الصحة
أعلنت وزارة الصحة الحصيلة ووصفت ما جرى بأنه "حادث مؤسف"، بينما بادرت المحافظة إلى إغلاق الشاطئ وفتحت النيابة تحقيقًا موسعًا، لكن خلف الأرقام تتكشف أسئلة أكبر عن مسؤولية الدولة ومنظومة الإنقاذ والرقابة على الرحلات الطلابية في عهد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي.
وفق بيان وزارة الصحة، توفيت 6 طالبات وأُصيبت 24 أخريات بحالات اختناق وغرق، ونُقل المصابون إلى مستشفيات بالعجمي لتلقي الرعاية.
المحافظ أعلن إغلاق شاطئ "أبو تلات" وذكّر بأن نزول البحر كان محظورًا بسبب ارتفاع الأمواج ورفع الرايات الحمراء.
النيابة العامة بدأت تحقيقًا موسعًا في الملابسات، وتبيّن أن معظم الضحايا من محافظة سوهاج وكانوا ضمن رحلة منظَّمة من الأكاديمية الخاصة.
فيما يلي أسماء الضحايا الذين لقوا حتفهم في حادث الغرق المفجع بشاطئ "أبو تلات" في الإسكندرية يوم السبت 23 أغسطس 2025:
أسماء الضحايا (6 حالات وفاة):
- حبيبة السيد بخيت (بين 16 – 17 سنة)
- نور ممدوح (17 سنة)
- سلمى عصام (ديب الله) (61 سنة)
- فارس ياسر (17 سنة)
- إيزا (يسا) ساويرس (61 سنة)
- جثة لم تُعرف هويتها، (بين 16 – 17 سنة)
مسؤولية من؟
تُحاجِج المحافظة بأن البحر كان مغلَقًا عمليًا بفعل الرايات الحمراء، لكن هذا لا يعفيها من واجب منع الدخول فعليًا وتأمين الشريط الساحلي بعدد كافٍ من المنقذين والحواجز البشرية والمعدّات.
قبل يوم واحد فقط، تفاخر مسؤولو الإسكندرية بتدريب 120 منقذًا ضمن خطة تطوير منظومة الإنقاذ البحري، رقم يبدو هزيلًا إذا قورن بموسم يستقبل نحو 2.5 مليون مصطاف حتى هذه اللحظة من صيف 2025.
السؤال هنا: أين كانت القوة البشرية والمعدّات عندما قفزت عشرات الفتيات إلى الأمواج العالية؟
سياق خطِر معروف مسبقًا
ليست هذه المرة الأولى التي تتحوّل فيها شواطئ غرب الإسكندرية إلى مصيدة أرواح، في سنوات سابقة سُجِّلت حوادث جماعية مفجعة، أبرزها شاطئ "النخيل" الذي اكتسب لقب "شاطئ الموت"، مع حصيلة وصلت إلى 11–12 غريقًا في يوم واحد عام 2020، وسط تحذيرات متكررة من الدوامات والتيارات قرب حواجز الأمواج.
فاستمرار النمط نفسه بعد خمس سنوات يعني أن الدرس لم يُستوعب وأن الإصلاحات بقيت تجميلية.
منظومة إنقاذ مرتبكة..
من شهادات صحفية محلية، أرجع غواصون صعوبة الإنقاذ إلى قلّة المنقذين وغياب مسعفين مجهَّزين على الشاطئ، وإذا صحّ هذا، فنحن أمام فشل مركّب: حظر سباحة شكلي لا يتبعه طوق أمني فعّال، افتقار لانتشار المنقذين وتوزيعهم، وغياب معدات الإنعاش السريع AED، أكياس إنعاش، أوكسجين، ووفق منظمة الصحة العالمية، يُعد الغرق سببًا رئيسيًا لوفيات الأطفال واليافعين عالميًا (نحو 236 ألف وفاة سنويًا)، وتوصي بسياسات وقاية تشمل حظر مناطق الخطر، الإنقاذ المجتمعي المدرَّب، وتعليم مهارات السباحة المبكرة، سياسات لا نرى لها أثرًا ممنهجًا على شواطئ مصر.
خطاب رسمي بعد الواقعة..
اكتفى الخطاب الحكومي الفوري بتقديم التعازي، إعلان الإغلاق المؤقت، وفتح التحقيقات، لكن هذا الروتين أعقب عشرات الوقائع المشابهة سابقًا ولم يُنتج سياسة مستدامة للسلامة.
في دولة تشدد قبضتها على تفاصيل الحياة العامة، يبقى ما هو ضروري فعلًا، تطبيق دقيق لمعايير السلامة، أكثر الملفات تفلتًا من الانضباط.
هنا تكمن المفارقة في حكم السيسي: تضخّم الأجهزة، وتراجع وظيفة الدولة الأساسية في حماية الأرواح في الفضاء العام.
توصيات مُلحّة قابلة للقياس
- نشر خطة إنقاذ مُعلنة بالمقاييس: حدّ أدنى للمنقذين لكل 100 متر، وأوقات عمل، ونقاط إسعاف ثابتة مزوّدة بـAED، وتحديث يومي لحالة البحر مع آلية إنفاذ تمنع الدخول فعليًا عند الراية الحمراء.
- إخضاع الرحلات الطلابية مدرسية أو جامعية أو بمعاهد خاصة لنظام ترخيص مسبق يتضمن "تقييم مخاطر" مكتوبًا، نسب إشراف (مرافِقة لكل 8 طالبات مثلًا)، وتوثيق تعاقد مع مزوّد إنقاذ معتمد، وإلا تُلغى الرحلة.
- نشر بيانات شهرية عن حوادث الغرق على الشواطئ العامة، تتضمن المكان، الظروف، الاستجابة، والدروس المستفادة.
- إدماج "سلامة المياه" في المناهج والأنشطة، وتوسيع برامج تدريب المنقذين من عشرات إلى مئات سنويًا بما يتناسب مع أعداد المصطافين المُعلنة، الأرقام الحالية (120 منقذًا مدرَّبًا ضمن برنامجَيْن) لا تكفي لمدينة تستقبل ملايين الزوار كل موسم.
العدالة للضحايا وعدّاد لا يجب أن يستمر
ستطالب النيابة بمسوغات المسؤولية الإدارية وربما الجنائية، لكن العدالة الحقيقية هي ألا يتكرر المشهد، ست طالبات فقدن حياتهن و24 أُصبن في يوم واحد، في شاطئ سبق أن حُمّل التاريخ القريب حوادث شبيهة، دون سياسة صارمة مُعلنة، وتمويل كافٍ، ومحاسبة واضحة، سيبقى البحر يبتلع ضحايانا بينما يكتفي النظام ببيانات "تعازٍ" وإغلاقات مؤقتة.
هذه الفاجعة ليست قضاءً وقدرًا؛ إنها نتيجة مباشرة لتراخٍ مزمن في دولة تُطالِب المواطنين بالطاعة وتبخل عليهم بأبسط حق: الأمان على شاطئ مفتوح للجميع.