في مشهد مأساوي يختصر حجم الإهمال الذي يعيشه المواطن المصري، لقيت 6 فتيات مصرعهن غرقًا بشاطئ أبو تلات غرب الإسكندرية، فيما أصيب 26 آخرون في حادثة هزّت الرأي العام وأثارت غضب النشطاء والخبراء على مواقع التواصل الاجتماعي.
الحادثة لم تكن مجرد قدر، بل جريمة إهمال بشعة تتكرر عامًا بعد عام في شواطئ المدينة الساحلية دون حلول جذرية أو إجراءات حقيقية تضمن سلامة المصطافين.

 

غضب شعبي ومطالبات بالمحاسبة
الحادثة فجّرت موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب النشطاء:
"الحل مش إننا نقفل الشواطئ.. الحل إننا نكون عندنا دولة توفر أمان للمواطنين."
"6 بنات ماتوا غرقًا في دقيقة، والدولة بتعمل مؤتمرات عن الاستثمار في السياحة."

ومن جهته كتب الحقوقي هيثم أبو خليل: "جريمة إهمال بشعة لا تحدث في دولة! أين خدمات الإنقاذ على الشاطئ؟ أين خدمات الإسعاف على الشاطئ؟ الحل ليس غلق شواطئ الإسكندرية، الحل ليس منح التلاميذ أجازة عند سقوط الأمطار! الحل أن تكون هناك دولة."

ونشر محمود طه فيديو يبين صدمة أهالي الضحايا وهم ينتظرون جثامين ذويهم أمام مستشفى العجمي

المطالبات هذه المرة ليست مجرد غضب عابر، بل دعوات للتحقيق في أوجه القصور، ومحاسبة المسؤولين عن تقاعس فرق الإنقاذ، والكشف عن أموال الرسوم التي لا تنعكس على الخدمات.
 

الإهمال.. جريمة متكررة

ما حدث في شاطئ أبو تلات يعكس نمطًا عامًا من الإهمال الإداري، حيث تتحول حياة المواطنين إلى ثمن طبيعي لعجز الدولة عن القيام بواجباتها الأساسية.
الحوادث البحرية في الإسكندرية صيفًا، وغرق الشوارع في الشتاء، تؤكد أننا أمام أزمة إدارة قبل أن تكون أزمة طبيعة.
 

أين الدولة؟ أين الإنقاذ؟
الأسئلة التي طرحها المواطنون بعد الحادثة تبدو منطقية: أين فرق الإنقاذ على الشاطئ؟ أين الإسعاف المجهز للتدخل السريع؟
ست فتيات في عمر الزهور ابتلعتهن أمواج البحر وسط صرخات الاستغاثة التي لم تجد من يستجيب. حتى وصول سيارات الإسعاف جاء متأخرًا، والنتيجة كانت مأساوية.
الخبراء والنشطاء يؤكدون أن الحل ليس غلق الشواطئ بعد كل كارثة، كما تفعل السلطات كل صيف، ولا منح الطلاب إجازات عند سقوط الأمطار كما حدث في الأعوام السابقة، بل الحل أن تكون هناك دولة حقيقية توفر البنية التحتية والرقابة والخدمات الأساسية.
 

شواطئ بلا أمان
الإسكندرية، التي تتباهى بها الحكومة كعروس البحر الأبيض المتوسط، تتحول في الواقع إلى مصيدة موت لآلاف المواطنين الذين يلجؤون إلى شواطئها هربًا من حرارة الصيف. أغلب هذه الشواطئ تعاني من غياب كامل لأبراج المراقبة، نقص في فرق الإنقاذ، وعدم توافر وسائل إسعاف مجهزة.
اللافت أن هذه المأساة تتكرر سنويًا، ومع ذلك تكتفي السلطات المحلية ببيانات مقتضبة وتعهدات لا تُترجم إلى واقع. بل في كثير من الحالات، يكون الرد الوحيد هو إغلاق الشاطئ، كأن المشكلة في المواطن وليس في غياب الخدمات.
 

كارثة متوقعة وليست مفاجئة
حادثة أبو تلات لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة إذا استمرت السياسات الحالية.
خبراء سلامة الشواطئ يؤكدون أن هذه المناطق تحتاج إلى تخطيط دقيق يشمل زيادة عدد المنقذين، وضع لافتات تحذيرية واضحة، توفير قوارب تدخل سريع، وإنشاء نقاط إسعاف ميدانية.
لكن ما يحدث فعليًا هو تجاهل تام لهذه المطالب.
أين تذهب الرسوم التي تُحصّل من المصطافين تحت مسمى تذاكر دخول الشواطئ؟
وأين الرقابة على الأحياء التي تدير هذه الشواطئ؟
هذه الأموال كان يمكن أن توفر بنية إنقاذ متكاملة، لكن النتيجة أمامنا: أرواح تُزهق كل عام بسبب الإهمال.
 

الحل ليس الغلق بل الإدارة
إغلاق الشواطئ بعد الكوارث أو تبرير الحوادث بعبارات مكررة عن "قضاء وقدر" لم يعد مقبولًا.
ما حدث في أبو تلات ليس قضاء وقدرًا، بل جريمة إهمال صريحة في حق 6 فتيات وعائلاتهن، وجريمة في حق كل مواطن مصري يرى بلده عاجزًا عن توفير أبسط مقومات السلامة.
الحل ليس الغلق، وليس الأجازات عند المطر، بل أن تكون هناك دولة قادرة على حماية مواطنيها وتوفير أبسط حقوقهم: الأمن، السلامة، والكرامة.