في مقاله المنشور مؤخرًا، سلّط الكاتب والباحث عمار علي حسن الضوء على أزمة عميقة تعيشها مصر تتعلق بغياب الشفافية في تداول الأرقام والمعلومات، معتبرًا أن السلطة تمارس "التعتيم والإخفاء والتهرب"، في مخالفة صريحة للدستور، الذي ينص في مادته (68) على حق المواطنين في الحصول على المعلومات.

يؤكد حسن أن ما يحدث لا يقتصر على الغموض فحسب، بل وصل إلى حدّ محاكمة الباحثين والصحفيين بدلًا من محاسبة السلطة على حجبها للمعلومات التي تُعدّ حقًا أصيلًا للشعب.
 

حق دستوري مُهدر
يقول عمار علي حسن إن المادة (68) من الدستور لم تُفعَّل حتى الآن، حيث تنص بوضوح على أن المعلومات ملك للشعب، وأن الدولة مُلزَمة بتوفيرها.
لكن على أرض الواقع، يرى حسن أن السلطة تصمّ آذانها وتترك الباحثين والخبراء في ظلام، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى قرارات مبنية على بيانات دقيقة.

هذه الممارسات تحوّل الأرقام إلى أسرار مغلقة، وتجعل أي محاولة لاستجلائها سببًا للملاحقة، بدلًا من أن تكون خطوة نحو الشفافية.
 

قضية عبد الخالق فاروق... نموذج صارخ
يشير عمار علي حسن إلى أن محاكمة الباحث عبد الخالق فاروق على خلفية ما أورده في كتبه من أرقام اقتصادية، تمثل ذروة الأزمة.
فبدلًا من الرد على هذه الأرقام أو تصحيحها ببيانات رسمية، لجأت السلطة إلى محاكمة الباحث.

يرى حسن أن هذه الخطوة لا تنتهك فقط حق الباحث في التعبير، بل تكشف أيضًا عن رغبة متعمدة في إبقاء الأرقام طيّ الكتمان، حتى لو كان ذلك على حساب البحث العلمي والمصداقية.
 

أزمة كامل الوزير مع "فيتو"
لم يغفل عمار علي حسن الإشارة إلى الأزمة التي فجّرها الفريق كامل الوزير مع صحيفة "فيتو"، بسبب نشر بيانات اعتبرها الوزير غير دقيقة.
ويرى حسن أن هذه الواقعة مثال آخر على عقلية السلطة في التعامل مع الأرقام، حيث تغيب الشفافية ويُستبدل بها الهجوم على الصحافة، بدلًا من تقديم الأرقام الصحيحة وتوضيح الحقائق للرأي العام.
 

غياب الأرقام يقتل البحث العلمي
يؤكد عمار علي حسن أن الباحثين والخبراء الاقتصاديين ورواد الأعمال يواجهون معضلة حقيقية بسبب شُحّ المعلومات، ما يجعل دراساتهم قائمة على التخمينات بدلًا من الحقائق.
وهذا الغياب لا يضر بالمجال الأكاديمي فقط، بل ينعكس على الاقتصاد الوطني وبيئة الاستثمار.

ويرى حسن أن "اقتصادًا بلا بيانات دقيقة يعني قرارات عشوائية، وتخطيطًا قائمًا على الأهواء لا على الأدلة"، وهو ما يهدد مستقبل التنمية.
 

الأرقام بين التلاعب والغموض
في تحليله، يذهب عمار علي حسن إلى أن المشكلة لا تتوقف عند حجب المعلومات، بل تتجاوزها إلى التلاعب بالأرقام واستخدامها أداة للدعاية السياسية.

يوضح حسن أن تناقض التصريحات الرسمية بشأن معدلات البطالة والتضخم وحجم الدين العام يكشف عن سياسة تزييف متعمد، تستهدف تجميل الواقع بدلاً من معالجته.
هذه الممارسات تخلق فجوة بين ما يعيشه المواطن وما يسمعه من بيانات رسمية.
 

لماذا تحجب السلطة المعلومات؟
يرى عمار علي حسن أن السلطة تحجب الأرقام لأسباب عدة، أبرزها: الخوف من كشف إخفاقاتها، والرغبة في احتكار المعرفة بما يخدم أجندات معينة، إضافة إلى غياب ثقافة الشفافية والمساءلة.

لكنه يؤكد أن هذه المبررات لا تصمد أمام نص الدستور، ولا تبرر تحويل الباحثين والصحفيين إلى متهمين.
 

الثمن يدفعه المواطن والمجتمع
يقول عمار علي حسن إن المواطن هو الخاسر الأكبر في معركة التعتيم، لأنه يفقد حقه في المعرفة، كما يتأثر الاقتصاد الذي يفتقر إلى خطط مبنية على بيانات دقيقة.

وفي ظل غياب المعلومات، تنتشر الشائعات وتصبح المصدر الأساسي للأخبار، ما يعمّق الفجوة بين السلطة والشعب، ويقوّض الثقة العامة.
 

من يُحاكِم من؟
يختتم عمار علي حسن تحليله بسؤال جوهري: من يجب أن يُحاكَم؟ الباحث الذي اجتهد ليعوّض نقص المعلومات، أم السلطة التي حجبتها في مخالفة صريحة للدستور؟

ويؤكد أنه ما لم يتم تفعيل حق المواطن في المعرفة، وإصدار قانون حرية تداول المعلومات، ستظل البلاد أسيرة الظلام المعلوماتي، وستبقى الأرقام أداة في يد السلطة، بدلًا من أن تكون أداة للتنمية.