أعلن قطاع المعاهد الأزهرية فتح باب التحويل للحاصلين على الشهادة الإعدادية العامة (الحكومية) إلى التعليم الأزهري بالمرحلة الثانوية عبر برنامج تأهيلي لمدة عام واحد، على أن يُقيد الطالب بعد اجتياز هذا العام في الصف الأول الثانوي الأزهري.

اشترط القرار حصول الطالب على 70% على الأقل في الإعدادية العامة، مع اشتراطات إضافية في اللغة العربية، وفتح باب التقديم من 1 سبتمبر حتى 15 سبتمبر.

وقد نشرت مؤسسات صحفية محلية تفاصيل القرار نقلاً عن قطاع المعاهد، مؤكدة فترة التقديم (1–15 سبتمبر) وصيغة “السنة التأهيلية” بوصفها مسارًا منظمًا للالتحاق بالثانوي الأزهري
 

دلالة القرار
يُقرأ فتح هذا المسار بوصفه تصويتًا صامتًا بعدم الثقة في منظومة الثانوية العامة التي تحولت إلى رقبة زجاجة خانقة للأسَر والطلاب.

فبين تغييرات متلاحقة في نظم التقويم والتصحيح، وتصريحات رسمية عن “إصلاحات تاريخية” لا يستقر لها شكل، يعيش الطلاب ارتباكًا طويلًا؛ إذ توالت الإعلانات عن تعديلات وهيكلة جديدة للمحتوى ولمواد الصف الثالث الثانوي وتوقيتات التطبيق، وسط انتقادات خبراء وتغطيات صحفية واسعة تشكك في جاهزية المنظومة للتطبيق
 

أرقام تكشف الأزمة: تضخم أعداد وازدحام فصول
تكشف بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن تضخم مستمر في أعداد طلاب التعليم قبل الجامعي، ففي عام 2023/2024 بلغ إجمالي طلاب الثانوي العام نحو 2.239 مليون طالب وطالبة (1.013 مليون ذكور، 1.226 مليون إناث)، ضمن كتلة طلابية كلية تجاوزت 25.6 مليون تلميذ في التعليم ما قبل الجامعي.

هذه الأعداد الضخمة تتقاطع مع شكاوى ميدانية من كثافات فصلية مفرطة وصلت في بعض المدارس إلى 210 طلاب في الفصل الواحد، رقم لا يتيح تعلّمًا ذا معنى ولا يوفِّر بيئة تقييم منصفة. (
 

الدروس الخصوصية: “تعليم بديل”
على لسان الوزير السابق للتعليم رضا حجازي، قُدِّرت فاتورة الدروس الخصوصية في مصر بنحو 47 مليار جنيه سنويًا رقم اعتبره كثيرون إقرارًا رسميًا بانهيار المدرسة العمومية وتحول “السناتر” لسوق موازي للتعليم.

ومع الغلاء المتصاعد خلال سنوات مضت مع تباطؤ التضخم في الأشهر الأخيرة، لا تستطيع غالبية الأسر تمويل سباق الدروس المفتوح، ما يجعل التحوّل للأزهر حيث منظومة مختلفة في المحتوى والاتجاه ووزن الامتحانات مسارًا يجربه آلاف بحثًا عن بدائل أقل كلفة وأقل توترًا.

فاتورة الدروس الخصوصية تبلغ 47 مليار جنيه سنويًا، والحكومة لا تعلم عنها شيئًا.” د. رضا حجازي أمام البرلمان.
 

فجوة التعلّم
تُظهر تقديرات البنك الدولي التي استعادتها هيومن رايتس ووتش في تقرير حديث أن نحو 70% من أطفال مصر كانوا في فقر تعلم عام 2019، أي عاجزين عن قراءة وفهم نص مناسب لعمرهم بحلول سن العاشرة.

وبعد سنوات من الاضطراب الاقتصادي والتربوي، لم تظهر الحكومة خطة ممولة وشفافة تُنقِص هذا المؤشر جذريًا.

هنا يبدو قرار الأزهر كمسار يحاول استيعاب طلب اجتماعي متزايد على تعليم بديل، بينما تظل جذور الأزمة في السياسات الحكومية المتركزة على الشكل الامتحاني لا تحسين جودة المدرسة ومعلمها.
 

لماذا الآن؟ ثلاث علل بنيوية

  1. الضغط العددي والكثافة: تزايد الأعداد في الثانوي العام دون توسع مماثل في الفصول والمعلمين، مع حديث عن عجز كبير في أعداد المدرسين، ينعكس مباشرة على الجودة ويُغذّي هجرة أولياء الأمور لمسارات أقل ازدحامًا.
  2. اقتصاد الدروس: اتساع سوق الدروس إلى عشرات المليارات سنويًا خلق تمييزًا طبقيًا صارخًا داخل نفس الصف، وحوّل الدرجات إلى وظيفة للقدرة على الدفع.
  3. ارتباك السياسات: توالي الإعلانات عن “نُظُم جديدة” ثم تعديلات وتفنيدات ونفي شائعات، كلها رسائل عدم يقين تزيد شهية الأسر لمسارات مستقرة نسبيًا.
     

ماذا يقدّم المسار الأزهري؟
المسار الذي فتحه الأزهر يقوم على سنة تأهيلية تُعالج فجوة المحتوى بين العام والأزهري، مع شرط 70% كحد أدنى، وأفضلية لمستوى ملائم في اللغة العربية، ثم قيد في أولى ثانوي أزهري بعد اجتياز التأهيلي.

زمنيًا، التقديم محصور بين 1 و15 سبتمبر عبر الإدارات أو المعاهد الأزهريّة المُعلَنة.

هذه قواعد واضحة ومواعيد مضبوطة، على خلاف مشهد الثانوية العامة الذي يبدّل جلده كل عامين، ما يغري الأسر الباحثة عن الاستقرار
 

القرار.. ليس حلاً
يرى تربويون أن استيعاب الأزهر لموجة التحوّلمنطقيفي ظل ضغط الثانوي العام، لكنهم يحذرون من نقل الأزمة بدل حلّها: إن استمرت الكثافة والإنفاق الخاص خارج المدرسة والارتباك الامتحاني، فسنشهد خلال أعوام تكدسًا أزهريًا يعيد إنتاج المشكلة.

التقارير الصحفية المتخصصة نبهت مرارًا إلى أن محاربة الدروس تستلزم تمويلاً عامًا جادًا، وخطة لرفع مهارات القراءة والرياضيات المبكرة، وضبط معايير تقويم مستقرة لخمسة أعوام على الأقل

قرار الأزهر لا يُبرّئ الحكومة؛ بل يفضح فشل عقد من السياسات تحت حكم السيسي في بناء مدرسة عمومية جاذبة.

المؤشرات الرسمية نفسها 2.239  مليون في الثانوي العام ضمن 25.6 مليون تلميذ إجمالًا، وفصول تبلغ 210 طالبًا، تقول إن الأزمة بنيوية.

إذا أرادت السلطة معالجة الهجرة إلى مسارات بديلة فعليها: تقليص الكثافات بإنشاء فصول فعلية لا عناوين إعلامية، تثبيت نظام تقويم لسنوات، تجفيف اقتصاد الدروس بتحسين أجور المعلمين ومساءلة السناتر، وتمويل برامج مبكرة لخفض فقر التعلّم.

أما دون ذلك، فسيبقى مسار التحويل إلى الأزهري من 1 إلى 15 سبتمبر كل عام، شاهدًا جديدًا على منظومة تهرب من مواجهة الحقيقة.

ملاحظة للطلاب والأسر: النافذة من 1 حتى 15 سبتمبر، والحد الأدنى 70% في الإعدادية العامة، مع سنة تأهيلية تسبق القيد في أولى ثانوي أزهري. يُنصح بمراجعة الإدارات/المناطق الأزهرية القريبة للتقديم والاطلاع على المتطلبات التفصيلية.