أثار إعلان وزارة الصناعة عن دراسة إنشاء مجمع متكامل لإنتاج الزبيب، غضبًا وسخريةً في الشارع والسياسة، بعد أن ظهر الفريق كامل الوزير في مداخلة متلفزة يدافع عن الفكرة ويقول حرفيًا: "هو الزبيب عيب ولا حرام؟" معللاً أن الهدف هو حماية المحصول وتحسين جودته وزيادة الصادرات وجلب عملة صعبة.

لكن السؤال الأكثر إلحاحًا: لماذا تصرّ الحكومة على افتتاح خطوط إنتاج صغيرة وغير استراتيجية في وقت أُغلِقَت به عشرات المصانع الثقيلة التي كانت توظف مئات الآلاف؟
 

دفاع عن مشروع أم تبرير للإخفاق؟
كلام كامل الوزير جاء كردّ فعل مباشر على موجة استهزاء شعبية حملت طابع "لماذا مصنع زبيب في بلد تُغلق فيه مصانع؟".

الوزير ذكر أن هناك مصنعًا واحدًا قديمًا في منطقة السنطة لا يكفي، وأن إنشاء مجمع حديث سيخفض الفاقد ويرفع جودة المنتج للتصدير.

هذا التبرير مقبول تقنيًا، لكنه يطغى عليه سؤال سياسي، هل الأولوية لدى الأجهزة الحاكمة هي تشغيل العشرات من المصانع المتعثرة أم إطلاق مجمعات غذائية مُعلنًا عنها إعلاميًّا؟.
 

كم تكلفة المشروع؟
حتى تاريخ 22 أغسطس 2025 صراحةً لا توجد أرقام رسمية منشورة عن تكلفة إنشاء هذا المجمع أو المصنع؛ وزارة الصناعة قالت إنها تدرس إنشاء منطقة متكاملة وتنسق مع وزارة الزراعة والغرف الصناعة والمجالس التصديرية، لكنها لم تُعلن ميزانية محددة أو جدولاً زمنياً للتنفيذ أو تمويلًا مخصصًا.

هذا الفراغ الرقمي يفتح الباب لتأويلات: هل سيُموّل المشروع من موازنات عامة مُعلنة أم من تريلات دعم يصرف انتخابيًّا؟.
 

مصير المصانع المصرية
المشكلة أكبر من مشروع زبيب واحد: تقارير وتحليلات سابقة تُشير إلى عشرات الآلاف من المنشآت الصناعية المتأرجحة بين التعثر والإغلاق خلال السنوات الماضية وهو ما ترك آلاف العمال بلا عمل وخفض قدرة الصناعة الوطنية على إنتاج سلع استراتيجية.

يأتي هذا المشروع وسط أزمات متفاقمة في القطاع الصناعي المصري، حيث تتفاوت التقديرات بحسب المصدر إلى إغلاق ما بين 10 آلاف إلى 13 ألف مصنع أو منشأة متعثرة أو مغلقة في فترات سابقة)، خلال حكم السيسي، مما أدى إلى فقدان أكثر من 400 ألف فرصة عمل، وتراجع صادرات الدولة من الصناعات المحلية.

الحكومات التي ترأسها السيسي تركز كثيرًا على مشاريع صناعية صغيرة ومتخصصة، بينما تغلق مصانع كبرى مثل الحديد والصلب وشركات الصناعات الثقيلة، مما أثار انتقادًا من اقتصاديين ونقابات عمالية لما يشكله هذا من كارثة اقتصادية واجتماعية.

هذه الأرقام لا تُمحى بمبادرة إعلامية لصناعة غذائية هنا أو هناك. إن لم تُعالج الأسباب البنيوية، تكلفة تمويل مرتفعة، شح خامات، تعويم للجنيه، سياسات ضريبية وغير مواتية.

 ستظل المشاريع الرمزية مجرد ضمادات على جرح عميق.
 

أولويات حكومة الانقلاب
الانتقاد لا يركز فقط على الزبيب كمنتج، بل على ترتيب الأولويات: هل تبني الدولة قدرات صناعية كبيرة (حديد، أسمدة، تجهيزات طاقة، سلع وسيطة) أم تضع موارد لإطلاق مجمعات غذائية صغيرة تُستخدم سياسياً كقصة نجاح؟
النقد يتصاعد لأن ملفات كبرى مثل مصنع الحديد والصلب بحلوان وملف الأسمدة ومصانع المنسوجات شهدت تعطّلًا أو هدمًا جزئيًا بينما تُجرى احتفالات إعلامية بتدشين مشاريع "قابلة للتطوير".

هذا يفسر الغضب الشعبي من أن ما يُطرح أولوية لا يتماهى مع ما يحتاجه سوق العمل والصناعة الثقيلة.

بتتبع المواقف؛ الوزير نفسه وممثلون عن مجالس التصدير والمزارعين يدافعون عن المشروع بوصفه وسيلة للحفاظ على المحصول وزيادة الصادرات.

أما أصوات الخبراء فتقول إن الحل بحاجة إلى حزمة إصلاحات صناعية وتمويل حقيقي وبرامج لإعادة تشغيل المنشآت الكبرى وليس مجرد مجمعات متفرقة، لم يظهر تصريح دبلوماسي غربي أو شرقي بارز حول مشروع الزبيب تحديدًا؛ لكن الدبلوماسيين التجاريين عادةً ما يراقبون أنماط الدعم الرسمية لأن استدامة التصدير تتطلب جودة وتكلفة تنافسية، وليس معالجات إعلامية مؤقتة.
 

زبيب للتصدير أم زبيب لتجميل صورة النظام؟
صحيح أن تصنيع الزبيب يُعد نشاطًا مشروعًا ويضيف قيمة مضافة، لكن في ظل انهيار جزئي للبنية الصناعية وتراكم ملفات المصانع المتعثرة لا يكفي أن يقول المسؤول "هو الزبيب عيب ولا حرام؟" ثم يترك الأسئلة الكبيرة بلا إجابة.

المواطن العادي يريد أرقامًا: كم تكلفة؟ متى تبدأ؟ كم فرصة عمل حقيقية؟ وأهم من ذلك: أين الأولويات الاستراتيجية التي تعيد صناعة وطنية قادرة على توفير فرص عمل وصادرات؟