تواجه جامعة القاهرة، ممثلة في مشروع إسكان أعضاء هيئة التدريس بمدينة 6 أكتوبر، فضيحة فساد كبرى بلغت قيمتها نحو 5 مليارات جنيه، حيث تغيب الرقابة والإشراف على الإنفاق وتتكرر حالات نصب وبيع الشقق أكثر من مرة على الحاجزين، وسط رفض إدارة الجامعة تسليم عقود التمليك والقوائم المالية، ما يعمق معاناة أعضاء هيئة التدريس وينعكس سلباً على سمعة المؤسسة الأكاديمية
بدأ مشروع الإسكان عام 2013 بتعاقد مع هيئة المجتمعات العمرانية لإنشاء 5 آلاف وحدة سكنية لأعضاء هيئة التدريس والعاملين، مقرراً تسليمها في 2016.
لكن بعد تجاوز الموعد بخمس سنوات، لا تزال الشقق غير مسلمة، مع تهرب من إعلان القوائم المالية، وفرض غرامات على المتأخرين في السداد رغم التأخير في التسليم، بل إن وثائق وأحكام قضائية موثقة كشفته وجود تشكيل عصابي داخل الجامعة يبيع الشقق عدة مرات، ورغم صدور أحكام سجن ضدهم، لم تنفذ، بدلالة على تقاعس مسؤولين بارزين في الجامعة، وإهمال الملف من عميد بالجيش المتورط في سرقة أموال المشروع.
بدأت القصة من شكوى مالك وحدة في مشروع إسكان أعضاء هيئة التدريس والعاملين بجامعة القاهرة بمدينة 6 أكتوبر، تأخيرٌ مزمن في التسليم، ارتباك في المرافق، وغياب للشفافية المالية.
هذه ليست حالة فردية؛ فالتقارير والشكاوى الجماعية وثّقتها صحافة مستقلة ومنشورات الملاك منذ 2021، تتهم إدارة المشروع بإخفاء الميزانيات وعدم تسليم عقود التمليك في مواعيدها، ووجود مخالفات وتجاوزات بمليارات الجنيهات وأحكام قضائية لم تُنفّذ، بينما تواصل الجامعة والجهات المنفذة الترويج لقرب “الانتهاء”.
هذه المفارقة تضع إصبعًا على الجرح، منظومة إنشائية يهيمن عليها القطاع العسكري بمعزلٍ عن رقابة ومنافسة عادلة.
شركات الجيش العقارية.. نصب واستغلال
الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وشركاتها العقارية تسيطر على أكثر من 80% من أراضي الدولة، وتمارس دور المقاول الرئيسي لمشاريع البناء بالأساس، لكنها تعتمد على مقاولين من الباطن دون وجود رقابة حقيقية. كشفت شهادات مثل تلك التي أدلى بها المقاول محمد علي عن فساد بامتيازات ضخمة وهدر مليارات الجنيهات في مشروعات وهمية وبناء قصور باذخة.
تلعب شركات الجيش دور الوسيط أو السمسار بالاحتكار واستغلال ميزانية الدولة، حيث تؤدي هيمنة الجيش في السوق العقارية لإضعاف القطاع الخاص ورفع معدلات النصب والاحتيال.
تتفاقم القضايا الفاسدة على أعلى مستوياتها في الجيش المصري، مع تورط قادة كبار في صفقات تسليح مشبوهة وعمولات ضخمة، الأمر الذي كشفت عنه مصادر إعلامية إسرائيلية.
هذا بالإضافة إلى استحواذ الجيش على مساحات ضخمة من الأراضي والمشروعات الاقتصادية، وضحايا الفساد العسكري ينقسمون بين الطبقات الشعبية التي تعاني الفقر والاستياء والطبقة العسكرية المهيمنة على الثروات دون مساءلة حقيقية.
دولة السيسي.. انهيار ممنهج
في سياق أوسع، شنت تقارير اقتصادية وسياسية تحليلات شديدة اللهجة عن حكم عبد الفتاح السيسي، مؤكدة أن الفساد تفشى في كل المجالات، خاصة في قطاع العقارات والإنشاءات، مع وجود نظام غياب رقابي، وإهدار كبير في المال العام، وتراكم ديون محلية تجاوزت 147% منذ وصوله للحكم، مما أفقد جزءً هاماً من قدرة الدولة على التنمية وتحسين المعيشة، فأصبحت مصر في مركز 130 عالمياً في مؤشر الفساد، وهو أسوأ مستوى منذ عقود.
في منتدى مكافحة الفساد بشرم الشيخ عام 2021، أكد السيسي قطعه شوطاً في مكافحة الفساد، لكن الأرقام والإحصائيات كشفت تناقضاً صارخاً مع ما يعلنه النظام.
خبراء اقتصاد يؤكدون أن توسع الجيش في القطاعات الاقتصادية يخنق الاقتصاد ويمنع القطاع الخاص من المنافسة العادلة.
منظمة الشفافية الدولية ومرتبة مصر المتراجعة في مؤشر الفساد والتحذيرات المستمرة لدول مجلس التعاون الخليجي من خطورة التزايد في الفساد السياسي والإداري.
فضائح فساد الجيش واتهامات ببيع الأراضي والتلاعب في المشروعات التابعة للدولة ثبت تورط قيادات عليا بالجيش، فيما لم تصدر أي أحكام حاسمة على هؤلاء حتى الآن.
صدى الشارع
مواطني مصر، خاصة موظفو وهيئة تدريس جامعة القاهرة، يعيشون مأساة مضاعفة؛ فساد متجذر ومؤسسي في القطاع العقاري وإهدار أموال مشروع إسكان خاص بهم، وانتشار فساد عميق داخل منظومة الجيش التي تهيمن على مفاصل الدولة الاقتصادية، وسط انهيار ممنهج تسببه سياسات النظام في جميع القطاعات.
هذا يعكس هشاشة الوضع الوطني، ويدعو لمزيد من الضغط الشعبي والسياسي لمحاسبة المسؤولين وإصلاح حقيقي لإنقاذ البلاد من دائرة الفساد المستمرة التي تهدد أركانها الاقتصادية والاجتماعية.