خلال اجتماع المجلس الإقليمي للسكان بمحافظة القاهرة مساء الخميس 21 أغسطس 2025، أعلنت نائبة وزير الصحة والسكان، د. عبلة الألفي، أن معدل الإنجاب الكلي في القاهرة انخفض إلى 2.05 طفل لكل سيدة في 2024، وهو مستوى يقترب من حدّ الإحلال الديموغرافي (نحو 2.1).
لكنها نبهت إلى جيوبٍ ساخنة ما تزال تسجّل مستويات أعلى في أحياء مثل الزيتون والساحل، ما يستدعي تكثيف الجهود وتوسيع استخدام وسائل تنظيم الأسرة طويلة الأمد، تصريح الألفي جاء موثقًا في تقرير صحفي ورسميّات منشورة لوقائع الاجتماع ذاته.
منحنى هابط خلال ثلاث سنوات
لا ينعزل هبوط القاهرة عن الصورة الأوسع وزير الصحة خالد عبد الغفار أكد في 14 يوليو 2025 أن معدل الخصوبة الإجمالي في مصر هبط إلى 2.41 طفل/سيدة في 2024، نزولًا من 2.85 في 2021 (تراجع بنحو 15.4%).
كما هبط معدل المواليد الخام إلى 18.5 لكل ألف في 2024، وتراجع إجمالي المواليد السنوي إلى أقل من مليوني مولود لأول مرة منذ 2007، هذه الأرقام تعكس انعطافة واضحة مقارنة بذروة 2014–2017.
المواليد.. أقل من مليوني طفل في 2024
تُظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد المواليد في 2024 هبط إلى نحو 1.96 مليون مولود، بانخفاض 3.8 % عن 2023، واستمرارًا لاتجاه نزولي عبر عقدٍ كامل، المعنى المباشر: ضيقٌ متواصل في قاعدة الهرم السكاني مقارنةً بالتسعينيات والألفية، مع تمايزٍ إقليمي حيث تُسجل محافظات الصعيد معدلات أعلى من المتوسط.
لماذا انخفضت الخصوبة في القاهرة؟
- الضغط الاقتصادي وغلاء المعيشة: موجات التضخم وتآكل الدخول الفعلية رفعت تكلفة الطفل المباشرة (تعليم، صحة، سكن) وغير المباشرة (فرص عمل للأم)، فدفعت الأسر لتأجيل الزواج والإنجاب أو الاكتفاء بطفلين، ورغم أن هذا العامل يصعب قياسه مباشرةً، إلا أنه يتسق مع أنماط عالمية موثقة تربط الأزمات الاقتصادية بهبوط الخصوبة.
- اتساع خدمات تنظيم الأسرة: وزارة الصحة تتحدث عن قفزة 60% في استخدام وسائل تنظيم الأسرة داخل الوحدات الصحية، مع تركيزٍ على الوسائل طويلة المدى (لولب، كبسولات)، وهي تحديدًا ما دعت إليه د. الألفي في اجتماع القاهرة، هذا التوسع يقلّل الحمل غير المخطط قدّرته الألفي بنحو 20% من إجمالي الحمل، ويطيل الفواصل بين الولادات.
- تبدل التفضيلات الإنجابية وتعليم النساء: تحليلات حديثة لنتائج مسح الأسرة المصرية 2021 تُظهر أن الخصوبة المرغوبة أدنى من الفعلية؛ إذ قُدّرت الخصوبة المرغوبة بنحو 2.14 طفل/سيدة مقابل خصوبة فعلية 2.85 في 2021، وهو فارق يشير لإمكان هبوطٍ إضافي كلما تيسرت الخدمات وتبدلت المعايير الاجتماعية، في القاهرة حضريًا، كان المعدل الحضري أدنى أصلًا (نحو 2.2 في الحضر وفق وثائق الاستراتيجية الوطنية).
- تأخر سن الزواج والإنجاب: التحضر واتساع المشاركة التعليمية والوظيفية للنساء يرتبطان بتأخر سن الزواج والأمومة الأولى، ما يخفض عدد المواليد المتوقع على مدار حياة الأسرة (اتجاه تؤكده أدبيات ديموغرافية عديدة ومتسقة مع نتائج مصرية حديثة).
لماذا تظل أحياءٌ أعلى خصوبة؟
تشير د. الألفي إلى استمرار ارتفاع المعدلات في الزيتون والساحل، في مثل هذه الجيوب، تقف الفجوات التعليمية والعمل غير الرسمي والاعتماد على العمل الأسري، إضافةً لضعف الوصول لوسائل طويلة الأمد أو انقطاع الإمدادات، كعوائقٍ أمام التحول السلوكي.
لذلك دعت الألفي إلى تكثيف التوعية واستهدافٍ أدق للأحياء، هذه المقاربة الجزئية (Sub-city targeting) باتت أداةً معيارية عند هبوط المعدلات العامة وبقاء بؤر مرتفعة.
لماذا تُصر حكومات الانقلاب المتعاقبة على كبح النمو السكاني؟
يبدو أن الرهان الرسمي لسياسات قائد الانقلاب العسكري هو كبح المواليد تعويضًا سهلًا عن فشلٍ هيكلي في خلق فرص العمل وتحسين الإنتاجية، فبدل إصلاحاتٍ جذرية تعالج تخطيط المدن، ونوعية التعليم، وكفاءة الإنفاق العام، يتبنى النظام حلًا سكانيًا يسعى لخفض المقام (عدد السكان) ليُحسّن قسمة الموارد على الورق، ثلاث حجج أساسية تدفعه لذلك:
- الحجّة المالية: جهاز الدولة المثقل بالدَّيْن يحتاج لتقليل الضغط على خدمات الدعم والصحة والتعليم، لذا تُطلق الحكومة حوافزٍ مباشرة لتحديد النسل، وصل الأمر إلى صرف مدفوعات سنوية للنساء اللواتي لديهن طفلان أو أقل ضمن حزمة "تحفيز سكاني"، بالتوازي مع مبادرات "اتنين كفاية" هذه أدوات تخليق سلوك مرغوب دون معالجة جذور الفقر واللا مساواة(
- الحجّة السياسية/الخطابية: على مدى سنوات، قدّم رأس السلطة الزيادة السكانية باعتبارها التحدي الأكبر أمام التنمية، واحتفى وزير الصحة مؤخرًا بهبوط الخصوبة بوصفه نتيجة ملموسة لجهود الدولة، خطابٌ يزيح اللوم عن السياسات الاقتصادية الكلية ويعلّقه على الأسرة الفقيرة، فيما تُواصل المشروعات الضخمة امتصاص الموارد.
- الحجّة التقنية/الديموغرافية: وثائق الإستراتيجية السكانية الوطنية (2023–2030) تضبط المؤشرات وتحدد هدفًا بعيد المدى يقارب 1.6طفل/سيدة، مع فهارس مركبة ترصد الزواج المبكر، والأمية، والتسرّب المدرسي، لكن تحويل هذا الهدف إلى "علاج شامل" يخاطر بإغفال فرص العائد الديموغرافي إن لم تُخلق وظائف منتجة للشباب وتُرفع إنتاجية الاقتصاد.
من اتنين كفاية إلى توسيع الموانع طويلة الأمد
منذ 2019–2020، دفعت حكومة الانقلاب بحملات إعلامية ومجتمعية (وزارات التضامن والصحة ودار الإفتاء شريكٌ في الرسائل)، واستندت إلى تمويلٍ محلي ودعمٍ فنّي من الأمم المتحدة، مع توسعٍ في الزيارات المنزلية والإحالات للعيادات (مئات الآلاف من الإحالات حتى 2021)، وتتبّعٍ بالدلائل والإرشادات.
وبالتوازي، يجري تعميم الوسائل طويلة الأمد داخل الرعاية الأولية وتقليل الانقطاع في سلسلة الإمداد، هذه محاور يقرّ بها الخطاب الرسمي نفسه.