أثار تعديل الحكومة المصرية الأخير لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة موجة واسعة من الغضب، بعدما أقرّ البرلمان قيودًا جديدة، أبرزها السماح لذوي الإعاقة بشراء سيارة معفاة من الجمارك مرة واحدة فقط كل 15 عامًا، إلى جانب عقوبات مشددة على من يخالف هذه القاعدة.
هذه الخطوة التي رُوِّج لها باعتبارها “تنظيمًا لسوق الاستيراد وحماية للحقوق”، تحوّلت سريعًا إلى مصدر استياء عارم، حيث رآها ذوو الإعاقة وحقوقيون تجديدًا للقيود بدلًا من توسيع الحقوق، ومراكمة جديدة لمعاناتهم اليومية مع الدولة.
تقييد الحق في التنقل
يؤكد الدكتور أحمد عاطف، الباحث في سياسات النقل وحقوق ذوي الإعاقة، أن النص الجديد الذي يقصر حق شراء السيارة على مرة واحدة كل 15 عامًا “غير إنساني على الإطلاق”، إذ أن السيارات وسيلة حياة لا رفاهية بالنسبة لهم.
ويضيف: “السيارة لذوي الإعاقة ليست سلعة كمالية، بل وسيلة للكرامة والاعتماد على الذات. هل تضمن الحكومة أن تعيش سيارة مستخدمة في مصر 15 عامًا دون أعطال مميتة؟”.
هنا يتحوّل القانون إلى عقوبة مقنّعة بدلًا من أن يكون أداة دمج اجتماعي.
عقوبات مشددة بلا بدائل
أما المحامي الحقوقي محمود كمال، فيرى أن فرض عقوبات مغلّظة على من يخالف شروط الاستفادة من الإعفاء الجمركي، دون توفير بدائل حقيقية للنقل المجهّز، يعكس فلسفة الدولة العقابية.
يقول: “بدلًا من أن تضمن الحكومة شبكة نقل عام مجهّزة ومهيأة لذوي الإعاقة، لجأت إلى معاقبة المستفيدين وكأنهم متّهمون. هذا القانون يُصاغ بروح شرطيّة لا بروح اجتماعية”.
فبدل أن يفتح باب التيسير، يكرّس منطق الردع والعقوبة.
تناقض مع الدستور والاتفاقيات
من جانبه، يشير الدكتور حسام بدوي، أستاذ القانون الدستوري، إلى أن التعديل الجديد يتناقض صراحة مع نصوص الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها الدولة، والتي تنص على حق ذوي الإعاقة في إجراءات تمييز إيجابي وليس فرض قيود جديدة.
ويؤكد: “ما يحدث هو تراجع عن التزامات مصر الدولية. القانون لا يوسّع الحقوق، بل يضيّقها، ويضع أصحاب الإعاقة في خانة المستجدي للامتياز بدل المواطن كامل الحق”.
بُعد اجتماعي قاسٍ
في السياق ذاته، يرى الخبير الاجتماعي منى الجندي أن التعديل يفاقم عزلة ذوي الإعاقة، إذ يكرّس شعورهم بأنهم “مواطنون من الدرجة الثانية”.
وتضيف: “الحكومة تخلط بين مكافحة الفساد في استغلال الإعفاءات وبين التضييق على المستحقين. الحل ليس العقاب الجماعي، بل تحسين الرقابة وتطوير منظومة عادلة.
بهذا الشكل، ندفع الأشخاص ذوي الإعاقة إلى مزيد من العزلة والعجز القسري”.
وأخيرا فإن هذا القانون، يثبت أن الحكومة تتعامل مع ذوي الإعاقة كعبء مالي على الموازنة لا كجزء أصيل من النسيج المجتمعي. كل التبريرات حول “تنظيم الاستفادة” ليست سوى ستار لتقليص الحقوق والتخفف من المسؤولية.
إن التضييق على أشد الفئات هشاشة في المجتمع يفضح طبيعة النظام الذي لا يتردّد في تحميل المواطنين الضعفاء ثمن فشله الإداري والاقتصادي.
بدل أن يكون القانون جسرًا للاندماج، صار جدارًا عازلًا جديدًا، يضاعف مرارة ذوي الإعاقة في بلد لم يتقن سوى إنتاج المعاناة.