شهدت الأيام الأخيرة قفزة غير متوقعة في قيمة الرسوم الجمركية المحصلة على هواتف آيفون المستوردة إلى مصر، حيث أظهرت قوائم رسمية وغير رسمية زيادات تراوحت بين 29% و36.5% على أحدث الموديلات.

بحسب بيانات متداولة، ارتفعت الرسوم على آيفون 15 من 11,350 جنيهاً إلى 15,500 جنيهاً (+36.5%)، وعلى آيفون 16 من 12,750 جنيهاً إلى 17,400 جنيهاً (+36%)، بينما زادت رسوم آيفون 16 برو ماكس من 20,200 جنيهاً إلى 26,100 جنيهاً (+29%).

هذه الأرقام نُشرت على نطاق واسع في صحف ومواقع مصرية خلال 18–19 أغسطس 2025.

 

تحذيرات التجار.. تهريب وتراجع السوق

اتحاد الغرف التجارية وشعبة المحمول وصفوا الزيادات بأنها مفاجئة وغير مبررة، محذرين من أن رفع الجمارك بهذه الهِبات سيخلق حافزاً قوياً للتهريب ويقلص مبيعات الماركات الرسمية، خصوصاً أن الفجوة بين السعر الرسمي وسعر ما يُباع في السوق الموازي قد تتسع، مما يدفع المستهلكين نحو بدائل أرخص أو شراء عبر طرق غير رسمية.

محمد طلعت، رئيس شعبة المحمول باتحاد الغرف التجارية، وصف القرار بالمفاجئ وغير مبرر، محذرًا من أن هذه الزيادة ستدفع المستهلكين إلى التوجه لبدائل أرخص أو للسوق الموازي، ما يعمم مشكلة التهريب.

كما أشار إلى محاولة سابقة لتخفيض الرسوم على الموديلات القديمة بعد صدور إصدارات جديدة، لكن الرد كان عكس ذلك.

وأكد أن فرض الرسوم المخالفة على هواتف آيفون فقط قد يضر بالقوة الشرائية للسوق المحلي، ويزيد من التفاوت في أسعار الأجهزة.

 

الرواية الحكومية.. ثبات النسب أم تطبيق أدق؟

على الضد من تواتر الشكاوى، أعادت مصادر حكومية وبيانات رسمية التأكيد مراراً أن نسب الرسوم الجمركية الأساسية ثابتة وأن ما حدث يتعلق بتحديثات في قواعد تقييم القيمة التقديرية وتطبيق منظومة تسجيل الهواتف عبر تطبيق "تليفوني" وهو ما ظهر خلال العام الجاري.

منذ 1 يناير 2025 أُعلنت آليات جديدة لجمع رسوم على الهواتف القادمة من الخارج (نسبة مُعلنة تقارب 38–38.5% في بعض النصوص التطبيقية)، لكن تطبيقات هذه النسبة على فئات وأسعار مختلفة يُترجم أحياناً إلى قفزات ملموسة في المبالغ المستحقة فعلياً.

 

من يحسب الفاتورة الاقتصادية الحقيقية؟

هل مثل هذه الزيادات تنقذ اقتصاد مصر الموصوف بأنه يمر بضغوط؟ الجواب المختصر من زاوية معقّدة: لا، حتى لو جنت الخزانة العامة عوائد إضافية من فرض رسوم أعلى على سلع استهلاكية محددة، فإن أثرها على المشكلات الهيكلية للاقتصاد، عجز الموازنة، الدين العام، الفجوة في ميزان المدفوعات، هروب رؤوس الأموال، سيكون هامشياً إلى محدود.

زيادة جمارك هاتف فاخر تحويلها إلى موارد قابلة للاعتماد السياسي أو الاقتصادي قصيرة المدى ومؤقتة، بينما حاجات الاقتصاد بحاجة لإصلاحات ضريبية هيكلية، ضبط إنفاق، تحفيز صادرات وجذب استثمارات حقيقية.

هذا تحليل اقتصادي يُبنى على مبدأ أن الرسوم على سلع استهلاكية غير كفيلة بسد فجوات كبيرة.

 

أسباب التغييرات المفاجئة

يمكن اختصار المبررات الرسمية وغير الرسمية في نقاط:

أولاً: محاولة تسوية ظاهرة التهريب وتطبيق قواعد تقييم أدق للهواتف المستوردة عبر تطبيقات التسجيل.

ثانياً: سعي لجلب عوائد فورية للخزانة عبر توسيع القاعدة التي تُحمّل ضرائب ورسوم.

ثالثاً: سياسات لحماية السوق المحلية والموزعين الرسميين من تذبذب الأسعار.

لكن ترجمة هذه الحجج إلى قرارات مفاجئة دون تعميم أو تنسيق كافٍ مع التجار والأسواق يفتح الباب للارتباك الاقتصادي والاجتماعي، كما أظهر تصاعد الانتقادات.

 

مقارنة أسعار الهواتف في مصر عالميًا

بحسب تقرير صادر عن "دويتشه بنك"، تعد مصر من بين دول العالم الأعلى سعرًا لهواتف آيفون، حيث يصل سعر آيفون 16 برو ماكس في مصر إلى 1550 دولارًا، ما يعادل 141% من سعره في الولايات المتحدة، ما يجعل اقتناء هذه الهواتف مكلفًا للغاية بالنسبة للمواطن المصري مقارنة بالأسواق الأخرى.

 

آثار اجتماعية وسياسية

رفع رسوم سلع مراجعة للطبقات المتوسطة والفقيرة، حتى لو كانت على هواتف فاخرة، يحمل تأثيرات رمزية وسياسية: يزداد السخط الشعبي عندما يشعر المواطن أن السياسة الضريبية عشوائية، وتستهدف مقتنيات قد تكون أساسية لعمل البعض أو وسيلة اتصال لا غنى عنها.

في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، تصبح أي زيادة محسوسة في التكلفة اليومية وقوداً لمطالب أوسع بالتغيير السياسي والاقتصادي، وتغذي رواية أن سياسات الحكومة لا تعالج أزمات الإنتاج والبطالة بل تركز على ما يظهر كإيرادات سهلة.

 

ضريبة على المواطن أم فشل سياسي؟

الارتفاع المفاجئ في رسوم جمارك الآيفون يختزل أزمة أوسع: ليس مجرد تعديل في أرقام تُضاف لفواتير استيراد، بل انعكاس لإدارة سياسات اقتصادية قصيرة النظر، وليست قضية هواتف فقط؛ إنها تعكس واقع لقرارات مالية تُتخذ بلا شفافية كافية، وتظهر تفضيل الحلول الجزئية على الإصلاحات العميقة.