في عزّ النهار، لا يخجل بعض الشباب من تعاطي مواد غريبة مجهولة المصدر، بعضها لا يُعرف حتى إن كان مصنَّفًا كمخدر في القانون المصري.
المشهد، الذي توثّقه مقاطع منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، يُظهر طلابًا وعمالًا يتبادلون أكياسًا صغيرة من بودرةأو سوائل في شوارع الأحياء الشعبية، وكأن الأمر "عادة يومية" لا تستدعي الخوف.
هذه الظاهرة تعكس تفشّي المخدرات الرخيصة والبديلة وسط غياب رقابة حقيقية، بينما الحكومة المصرية تشدد قبضتها فياتجاه آخر: قانون "تحليل المخدرات" للموظفين، الذي يحوّل المرضى والباحثين عن علاج إلى ضحايا. بذلك، يصبح المجتمع محاصرًا بين شباب يضيع في الشوارع وملايين موظفين مهددين بقطع أرزاقهم ظلمًا.
شباب يستهلكون مخدرات مجهولة... والرقابة غائبة
خبراء الإدمان يحذرون من أن"المواد الجديدة" التي تُباع بثمن بخس في مصر لا تُدرج رسميًا في قوائم الجداول، وبالتالي لا تُلاحق بالقانون.
يقول د. مصطفى حسين، استشاري الطب النفسيوعلاج الإدمان: "هناك موجة من العقاقير المخلوطة بموادكيماوية مدمرة للكبد والمخ، لكنها لا تظهر في التحاليل التقليدية، وهذا ما يفسر جرأة الشباب على التعاطي علنًا."
هذا التراخي القانوني يخلق فراغًا يستغله المروّجون في المدارس والجامعات، بينما الخطاب الرسمي يركز على "التطبيل لإنجازات حملات الكشف".
القانون الذي يعاقب الموظف لا التاجر
على الجانب الآخر، يعيش آلاف الموظفين المصريين تحت كابوس "التحليل المفاجئ"، إذ أُجريت تحاليل لموظفين يتلقون علاجًا للعظام أو الأعصاب وتبين وجود آثار مسكنات قوية، فتم فصلهم تعسفيًا.
المحامي الحقوقي أحمد حلمي يوضح: "القانون يفترض أن أي نتيجة إيجابية هي دليل تعاطي، دون التفرقة بين إدمان وتداوي، كما أن اللجان الطبية لا تمنح حق الاستئناف. المحاكم نفسها تحكم بعدم الاختصاص بحجة أن القراراترئاسية." هكذا يتحول التشريع من وسيلة للردع إلى أداة لقمع الموظفين وقطع أرزاق أسر بأكملها.
فيديو: لقاءات مع موظفين مفصولين بعدقانون التحاليل
دعاوى بلا جدوى... والسلطة تُحصّن قراراتها
يؤكد خبراء القانون أن عشرات الدعاوى رُفعت من موظفين فُصلوا بسبب تحاليل أجريت وهم على وصفات علاجية.
لكن المحاكم، وفق تصريحات المستشار القانوني محمد فؤاد، "تحيل القضايا لعدم الاختصاص، باعتبار أن القرار جاء من أعلى سلطةسياسية." هذا التحصين يجعل المواطن العادي بلا حماية قضائية، ويُفقد الدولة إحدى ركائز العدالة الاجتماعية.
في المقابل، لا نسمع عن أحكام ضد كبار المروجين أو شبكات التهريب التي تملأ السوق بعقاقير خطيرة.
معركة خاسرة ضد المواطن
هكذا تترسخ معادلة مأساوية: في الشارع يتنامى تعاطي مخدرات مجهولة بلا ردع حقيقي، بينما في المؤسسات العامة يُفصل الموظفون لمجرد تناول مسكن أو دواء علاجي.
بدلاً من سياسات متوازنة تركز على العلاج والوقاية وملاحقة التجار، تختار الحكومة الطريق الأسهل: التضحية بالموظف الصغير.
وبينما المحاكم "ترفع يدها" بدعوى عدم الاختصاص، يزداد شعور المصريين أن الدولة لا تكافح المخدرات، بل تكافح مواطنيها.