تشهد ولايات دارفور السودانية كارثة صحية غير مسبوقة مع ارتفاع أعداد وفيات الكوليرا إلى أكثر من 270 حالة مؤكدة، فيما تتسع رقعة الإصابات لتشمل آلاف المدنيين وسط انهيار شبه كامل للقطاع الصحي. وبحسب شهادات أطباء ومتطوعين، فإن المرض يخرج عن السيطرة يومًا بعد يوم بسبب نقص الأدوية والمحاليل الوريدية، إضافة إلى غياب مراكز عزل كافية للتعامل مع الحالات المتزايدة.
حصار يزيد المعاناة
الأزمة الصحية تفاقمت بشكل خطير بفعل ممارسات قوات الدعم السريع التي تحاصر مناطق واسعة من دارفور، وتمنع وصول الإمدادات الطبية إليها. فبدلًا من السماح بمرور شحنات العلاج والمحاليل التي ترسلها منظمات الإغاثة، تعمد هذه القوات إلى إغلاق الطرق الرئيسية، وفرض قيود مشددة على حركة الأطباء والمتطوعين. وفي بعض الحالات، وثّقت منظمات إنسانية مصادرة شحنات دواء كاملة، واعتقال مسعفين حاولوا إدخال المساعدات إلى القرى المتضررة.
انهيار المنظومة الصحية
مستشفيات دارفور القليلة التي ما زالت تعمل تعاني من ضغط هائل يفوق طاقتها. إذ تستقبل يوميًا عشرات المصابين دون توفر أسِرّة كافية أو محاليل إماهة فموية، وهو العلاج الأساسي لمرض الكوليرا. كثير من المرضى يفترشون الأرض داخل المرافق الطبية، فيما يلقى آخرون حتفهم في منازلهم لعدم تمكنهم من الوصول إلى المستشفيات المحاصرة. الأطباء يحذرون من أن معدلات الوفيات مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الحصار ومنع وصول المساعدات.
الدعم السريع تحت المجهر
يحمل سكان دارفور قوات الدعم السريع المسؤولية المباشرة عن تفاقم الكارثة، إذ لم يقتصر دورها على إشعال الصراع المسلح الذي أدى لانهيار البنية التحتية، بل امتد إلى عرقلة جهود الاستجابة الصحية. وبحسب تقارير ميدانية، فإن هذه القوات تستخدم الحصار كسلاح لمعاقبة المجتمعات المحلية، ما أدى إلى انتشار المرض بشكل أكبر نتيجة عجز الأهالي عن الحصول على مياه نظيفة ورعاية طبية عاجلة. هذه الممارسات، التي تندرج في خانة "جرائم الحرب" وفق القانون الدولي، تزيد من عزلة السكان وتضاعف عدد الضحايا.
غياب الدولة وتصاعد الكارثة
في المقابل، تبدو الحكومة السودانية عاجزة عن التدخل أو احتواء الموقف، حيث انشغلت بصراعاتها السياسية والعسكرية، تاركة المدنيين في مواجهة وباء قاتل. كما أن ضعف البنية التحتية الصحية في دارفور تاريخيًا ساهم في جعل الإقليم أكثر هشاشة أمام انتشار الأمراض. ومع غياب الاستجابة الرسمية، يبقى الأمل معلقًا على جهود منظمات الإغاثة الدولية التي تصطدم دومًا بقيود الدعم السريع.
وأخيرا فأزمة الكوليرا في دارفور لم تعد مجرد مشكلة صحية، بل تحولت إلى جريمة إنسانية متكاملة الأركان. فالوباء يقتل المئات ويصيب الآلاف، بينما تواصل قوات الدعم السريع حصارها ومنع العلاج عن المدنيين، في استهتار صارخ بحياة الناس. وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فإن دارفور مقبلة على كارثة إنسانية أكبر تهدد حياة عشرات الآلاف، وسط صمت حكومي وتراخٍ دولي مريب. والنتيجة أن المواطن السوداني البسيط يدفع وحده ثمن حرب لا يملك فيها لا سلاحًا ولا قرارًا.