في 18 أغسطس 2025، وافقت حركة حماس رسميًا على مقترح جديد لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد مفاوضات مركزة ضمت وسطاء مصريين وقطريين، وقد أكد قيادي في الحركة لوكالة رويترز أنه تم تسليم رد إيجابي على المقترح بعد التشاور مع الفصائل الفلسطينية، هذا الاتفاق جاء وسط تطورات عسكرية غير مسبوقة، واحتقان سياسي على كافة الأصعدة، خاصة وسط ضغوط شعبية ودولية متزايدة لإنهاء الحرب الممتدة في القطاع.

 

مدة الهدنة وبنود الجسور الإنسانية

المقترح الجديد يشمل وقفًا لإطلاق النار مدته 60 يومًا، يتخلله إطلاق سراح 10 رهائن إسرائيليين أحياء و18 جثة لرعايا إسرائيليين قضوا أثناء الحرب.

في المقابل، تبدأ إسرائيل بالإفراج التدريجي عن أسرى فلسطينيين وينسحب جيشها إلى مواقع متفق عليها داخل القطاع.

وتتضمن البنود الرئيسية للمبادرة إدخال المساعدات الإنسانية عبر منظمات إغاثة دولية، مثل الهلال الأحمر والأمم المتحدة، وفتح الباب لمفاوضات مباشرة حول إنهاء الحرب فور دخول الهدنة حيز التنفيذ.

ووفق مسؤول فلسطيني شارك في المفاوضات، المفاوضات تدور حول مسار لتسوية أوسع تشمل الإفراج المتبادل عن الأسرى والبدء في إعادة إعمار غزة لمدة تصل 3–5 سنوات.

الاتفاق يرعى دخولا يوميًا لمئات الشاحنات المحملة بالمساعدات، ومن المقرر أن تشمل المرحلة الأولى تبادل الأسرى والبدء بانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من المناطق الآهلة بالسكان.

أكد القيادي باسم نعيم عبر فيسبوك تسليم حماس موافقتها على المقترح المقدم من الوسطاء.

كما أشارت وكالة الرجديان إلى أن الاتفاق يتضمن وقف العمليات العسكرية لمدة 60 يومًا وتبادل الأسرى كأساس لمفاوضات هدنة شاملة.

يبنما أكدت صحيفة Axios  أن المقترح مشابه بنسبة 98% للمقترح الأمريكي السابق الذي رفضته حماس في حينه.

 

تصريحات قيادات حماس وتنازلات اللحظة الحرجة

أكد مصدر في حماس لـ"العين الإخبارية" يوم الإثنين 18 أغسطس أن الرد جاء بعد فحص دقيق لكل البنود، وأفاد أن الحركة درست المقترح وتراجعت مؤقتًا عن شرطها بالإفراج عن الأسرى "النخبة" ممن شاركوا في هجوم 7 أكتوبر، وقبلت تسوية مرحلية حول الانسحاب الإسرائيلي مقابل مقترحات وضمانات دولية.

وأوضح القيادي البارز خليل الحية، الذي ترأس وفد الحركة في القاهرة: "الموافقة تهدف لمنح شعبنا هدنة حقيقية وتوفير معايير لتثبيت وقف الحرب، وإزالة أسباب النزاع مستقبلاً."

وقد تضمنت تصريحات حماس التأكيد على التزام الحركة بالشروط الإنسانية، وأولوية الإفراج عن الأسرى النساء والأطفال، معتبرة ذلك "ثمنًا ضروريًا في سبيل منح فرصة للحياة لأهل غزة".

 

مأزق الحكومة الإسرائيلية..

في سياق موازٍ، شهدت إسرائيل جدلًا داخليًا حادًا حول استجابة حكومة بنيامين نتنياهو للمقترح، فقد وجه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أحد أقطاب اليمين المتطرف، رسالة مباشرة قال فيها: "لدينا الآن فرصة لحسم المعركة مع حماس، وأقول لرئيس الوزراء: لا تملك تفويضًا للمضي في صفقة جزئية أو عدم حسم المواجهة مع حماس."

وتعكس تصريحات بن غفير مخاوف قطاع واسع من المشهد الإسرائيلي من أن وقف الحرب ضمن هذا الإطار يصب في صالح حماس، ويمنح الحركة فسحة لإعادة هيكلة صفوفها، بينما يرى آخرون أن الاتفاق محوري لتجنيب المدنيين المزيد من الكوارث، خاصة وأنه يفتح المجال لإدخال مساعدات طارئة.

 

التداعيات الإنسانية والسياسية

الوضع الإنساني: تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 62,000 منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، مع تفاقم الجوع والنزوح، وكالة رويترز سجلت وفاة 263 شخصًا من الجوع وسوء التغذية، من بينهم 112 طفلًا، بينما تتزايد موجات الفرار من شرق غزة خوفًا من هجوم بري قادم.

الضغط الشعبي والسياسي داخل إسرائيل: آلاف الإسرائيليين خرجوا في احتجاجات كبرى، مطالبين بوقف الحرب واستعادة الرهائن، غير أن الوزراء المتشددين في الحكومة الإسرائيلية لا يزالون يعارضون الاتفاق الجزئي.

 

ترامب والضغط على مصر

في موقف مثير للجدل بشأن الهدنة، شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجومًا حادًا على الصفقة عبر منصة "تروث" في 18 أغسطس، وقال: "إعادة الرهائن لن تكون ممكنة إلا عبر مواجهة حماس بالقوة وتدميرها، كلما كان تدمير حماس أقرب، كلما كانت فرص نجاة الرهائن المتبقين أفضل."

ووفق هيئة البث الإسرائيلية، كشف ترامب عن وجود ضغوط تمارسها إدارته على مصر لقبول خطة تهدف إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء مقابل مكافآت أمريكية غير متوقعة، بينها دعم مباشر في ملف سد النهضة ومساعدات اقتصادية.

وقد رفضت القاهرة بشكل قاطع أي شروط تربط الدعم الأمريكي باستيعاب لاجئي غزة، وحذر قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع حكومي في نفس اليوم: "أمن مصر القومي ليس محل مساومة، ومستقبل غزة يجب أن يكون ضمن أرضها وتحت سيطرة أبنائها."

 

هل الهدنة في صالح حماس أم لا؟

الجدل مستعر حول من المستفيد من هذه الهدنة؟! من وجهة نظر حماس، يعتبر القرار انتصارًا مرحليًا يوقف القصف ويخفف الضغوط الإنسانية، لكن مراقبين يرون أن الموافقة تحمل تنازلات مهمة، بينها تأجيل المطالب بشأن نخبة الأسرى، وعدم ذكر رفع كامل الحصار أو ضمانات لإعادة الإعمار حسب صيغة الاتفاق الأولية.

وفي المقابل، يرى قطاع من الساسة والعسكريين الإسرائيليين أنها فرصة لتقويض قدرات حماس العسكرية دون تكبد خسائر إضافية، وسط ضغوط متزايدة من الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة.

 

ردود فعل الفصائل الفلسطينية والدعم الدولي

رحبت الفصائل الفلسطينية المعارضة بخطوة حماس، وأكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: "أي اتفاق يحقق وقف النزيف ويثبت الحقوق الوطنية هو خطوة إيجابية، لكن يجب ضمان تنفيذ كل البنود وعدم التلاعب الإسرائيلي بالملفات الإنسانية والسياسية."

 

تحديات ما بعد الهدنة

المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار ستتواصل خلال فترة الهدنة، وسط مراقبة دولية من مصر وقطر والأمم المتحدة، وتبقى التحديات المستقبلية قائمة:

هل ينجح الوسطاء في تثبيت الهدنة وتوسيعها لاتفاق دائم؟

وهل تلتزم إسرائيل برفع الحصار وإعادة إعمار غزة؟

هل ستصبح هذه الهدنة بداية لوقف شامل؟

أم سيكون مجرد توقف مؤقت يعقب تصعيد جديد؟

الأيام القادمة ستحدد ملامح الإجابة، فالميدان السياسي والعسكري ما زال في حالة غليان، والعقبات أكبر من مجرد هدنة مؤقتة، وسط حاجة فلسطينية ماسة لاستعادة الحياة والأمل.