في خطوة أثارت دهشة الرأي العام وغضب العاملين والمتابعين لقطاع النقل، جدد وزيرالنقل كامل الوزير الثقة في المهندس محمد عامر كرئيس لهيئة السكك الحديدية لمدةعام جديد، رغم سلسلة من الحوادث الكارثية التي شهدها المرفق خلال فترة رئاسته،

ورغم الشكاوى المتزايدة من التردي المستمر في الخدمة، وغياب الخطط الفعالة لتطويرواحد من أهم وأقدم قطاعات النقل في مصر.
 

سجل مليء بالحوادث والإهمال

منذ تولي محمد عامر منصبه، لم تتوقف الحوادث على خطوط السكك الحديدية، بدءًا من خروج القطارات عن القضبان، ومرورًا بالتصادمات، وانتهاءً بالحرائق في بعض العربات.

هذه الحوادث، التي راح ضحيتها العشرات وأصيب فيها المئات، لم تكن مجرد “أخطاء فردية”كما يحاول بعض المسؤولين تبريرها، بل كانت انعكاسًا مباشرًا لغياب الصيانة الدورية، وإهمال تحديث البنية التحتية، وتقصير الإدارة في تدريب الكوادر وضبطآليات التشغيل.
 

سجل الحوادث المتكرّرة

في السنوات الأخيرة، تراجعت سلامة المسافرين بشكل صارخ في شبكة القطارات المصرية، وهذه بعض أبرز الحوادث التي كُشفت بالأرقام:

في مارس 2025، اصطدم قطار بحافلة صغيرة غير مرخصة في الإسماعيلية، ما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 12 آخرين.

قبلها، في سبتمبر 2024 بمدينة  الزقازيق بمحافظة الشرقية، شهد تصادم قطارين وفاة ثلاثة أشخاص وإصابة نحو 49. في أكتوبر 2024 بمحافظة المنيا،  اصطدم جرار من الخلف بقطار ركاب، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 20 آخرين وفي مارس 2021 بصعيد مصر، اصطدم قطاران كان أحدهما في حالة توقف بسبب انزلاق مكابح الطوارئ، مما أسفر عن 18 قتيلًا وحوالي 200 مصابًا. الأكثر مأساوية كان حادث الطوخ

في أبريل 2021، حيث انحرفت عربتين وسقطتا في قناة، ما أسفر عن 23 قتيلًا و139 مصابًا.

هذه الحوادث المتكرّرة ليست مؤشرات على أخطاء عرضية، بل على نظام تشغيل هش يعاني من تآكل هيكلي؛ فشبكة السكك الحديدية تديرها كوادر عاجزة تفتقر للصيانة والتحديث،بينما تستمر الحياة اليومية في عموم البلاد وسط الخطر المستمر.
 

لماذا يستمر المسؤولون رغم الفشل؟

قرار تجديد الثقة في عامر يكشف عن نهج واضح في إدارة الدولة: الولاء والطاعة السياسية يعلو على الكفاءة والمحاسبة. القيادة السياسية تعتبر الاستقرار الإداري أهم منالإصلاح الفعلي، حتى لو كلف ذلك حياة مواطنين.

القرار يأتي على لسان كامل الوزير، الذي يتحوّل عادة من مهاجم للشخصيات الفنية أوالموظفين الصغار، إلى مدافع قوي عن رؤساء الهيئات المقصرين، مادّعيًا أن وجود رئيس

هيئة ثابت يسهل تنفيذ البرامج. لكن الواقع يؤكد أن "الاستقرار" في ظلفشل واضح يعني تثبيت المسؤولين غير المؤهلين، وربما استكشاف فساده، بدلًا من معاقبتهم أو استبدالهم.
 

قرارات بلا محاسبة

اللافت أن تجديد الثقة في رئيس الهيئة يأتي في سياق أوسع من ثقافة غياب المحاسبة، حيث يتمالتعامل مع المناصب العليا كمكافأة للولاء، لا كمهمة تتطلب الكفاءة والنزاهة.

محمد عامر، رغم سجله الذي يتحدث عن نفسه، لم يخضع لأي تحقيق شفاف أو مراجعة جادةلأدائه، بل على العكس، تم تثبيته ليستمر عامًا آخر على رأس الهيئة.
 

كامل الوزير… الدفاع عن الفشل

وزيرالنقل كامل الوزير، المعروف بخطابه الحاد وتحميله المسؤولية للموظفين الصغار أو حتى المواطنين أنفسهم، اختار أن يدافع عن استمرار محمد عامر، مبررًا ذلك بحاجةالهيئة لـ"الاستقرار القيادي" في مرحلة التطوير.

لكن هذه الحجة سقطت أمام الوقائع، إذ لم يلمس المواطن أي تحسن حقيقي في مستوى الخدمة، بل ازداد الوضعسوءًا من حيث التأخير المستمر، وارتفاع أسعار التذاكر، وتدهور حالة القطارات.
 

السيسي…غطاء سياسي للمقصرين

هذه السياسة في الإبقاء على المسؤولين، حتى مع وضوح فشلهم، لا يمكن فصلها عن نهج السيسي نفسه، الذي يدير البلاد بمنطق تثبيت الموالين مهما كانت كفاءتهم.

فبدلاً من أن يكون الأداء هو معيار البقاء، أصبحت الطاعة وتنفيذ التوجيهات دون نقاش هي الأساس. وهو ما جعل مؤسسات الدولة تعج بالمحسوبية، وتفتقر إلى القياداتالتي تضع مصلحة المواطن في المقام الأول.
 

معاناة المواطن مستمرة

المواطن المصري، الذي يعتمد على السكك الحديدية في تنقلاته اليومية، يجد نفسه بين مطرقة الإهمال وسندان ارتفاع الأسعار. فالحوادث لا تهدد حياته فقط، بل تؤخره عن عمله ودراسته، وتكلفه أعباء مالية إضافية.

ومع ذلك، لا يرى أي خطوات ملموسة لإصلاح القطاع، بل استمرار نفس الوجوه التي تسببت في الوضع الحالي.
 

شهادات من داخل الهيئة
مصادر من داخل هيئة السكك الحديدية تحدثت، بشرط عدم الكشف عن هويتها، عن بيئة عمل متردية، ونقص في قطع الغيار، وضغوط على العمالة الفنية للعمل ب أدوات قديمة وغير آمنة.

كما أشاروا إلى أن القرارات الإدارية تُتخذ دون استشارة الفنيين، وأنالأولوية تُعطى للمظاهر الدعائية على حساب الإصلاح الفعلي للبنية التحتية.
 

استمرار للفشل الممنهج

قرارتجديد الثقة في محمد عامر ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل إدارة مصر بعقلية الولاء بل الكفاءة.

وتحت قيادة السيسي وكامل الوزير، يبدو أن بقاء الفاسدين أو المقصرين في مواقعهم أمر طبيعي، طالما أنهم يخدمون أجندة النظام ويؤمنون غطاءً سياسيًا لاستمراره، حتى لو كان الثمن هو حياة وأمان المواطنين.