في خطوة رمزية ورياضية كبيرة لمصر وللاعبات المسلمات عمومًا، أعلن نادي UYBA بوستو أرسيتسيو الإيطالي التعاقد مع النجمة المصرية مريم متولي (26 عاماً) قادمة من صفوف نادي الزمالك.
ليس المهم هنا أن لاعبة مصرية احترفت في إحدى أقوى دوريات العالم فحسب — بل أن مريم ستكون الأولى التي تخوض منافسات الدرجة الأولى الإيطالية وهي ترتدي الحجاب، وهو مشهد يأمل كثيرون أن يفتح الباب أمام مزيد من اللاعبات المحجبات للانتقال واللعب في أوروبا.
من هي مريم متولي وما قيمة هذا الانتقال؟
مريم متولي تدرّجت بين صفوف الأندية المصرية الكبرى وبرز اسمها بقوة مع الزمالك (ولها فترات سابقة مع الأهلي بحسب السجلات)، وهي الحاصلة على لقب أفضل لاعبة في إفريقيا ثلاث مرات، كما تُعد الأكثر تتويجًا في بطولات الأندية الإفريقية (فازت ببطولة الأندية الإفريقية سبع مرات بين الزمالك والأهلي).
في إيطاليا رُحّب بها كونه صفقة مميزة للفريق الذي سبق له التتويج بلقب الدوري والكأس والسوبر الأوروبي على فترات، وسيشكل وجودها إضافة فنية وتسويقية.
مريم تحدثت عن فخرها بالانتقال ووصفته بأنه «حلم تحقق»، وأكدت أنها فخورة بارتداء الحجاب داخل الملعب وأنه جزء من هويتها.
هذا الانتقال مهم لسببين عمليين ورمزيين: عمليًا، لأن الدوري الإيطالي للسيدات (Serie A1) واحد من أكثر الدوريات احترافية وتنافسًا في العالم، وبالتالي تجربة احتراف هناك سترفع من مستوى مريم الفني وتفتح لها أبوابًا للانتقال للبطولات الأوروبية الكبرى.
ورمزيًا، لأن ظهور لاعبة محجّبة في الملاعب الإيطالية سيكسر حواجز اجتماعية وسياسية حول مظهر اللاعبات، ويقدّم نموذجًا يحتذى به للفتيات المسلمات اللواتي يتردّدن بين الاحتشام والاحتراف الرياضي.
https://x.com/i/status/1954108500230967480
ماذا قالت الأندية والإعلام الإيطالي؟
التغطية الإيطالية رحّبت بالصفقة وذكرت أنها قد تكون «نقطة تحوّل» في النظرة الأوروبية للاعبات المحجبات.
صحف مثل Corriere della Sera وLaPresse نقلت عن مريم حماسها للانخراط في الدوري وأشارت إلى أن النادي نفسه يؤمن بتنوّعه الثقافي وسياسات الانفتاح، بينما صفحات النادي ونشرات الدوري أظهرت فيديوهات ترحيبية ورسائل مشجعة من الجماهير.
هذه التغطية تحمل رسالة مزدوجة: رياضية (قيمة فنية للاعب) واجتماعية (قبول مختلف أشكال التعبير الديني في ملاعب أوروبا.
سياق تاريخي: اللاعبات المحجبات من مصر على الخريطة الدولية
الانتقال الاحترافي لمريم يُكمل لوحة طويلة بدأت مصر فيها تبرز نساء مسلمات أثبتن أن الحجاب ليس عقبة أمام النجاح العالمي:
- دعاء الغباشي — شاطئية الكرة الطائرة: لفتت أنظار العالم خلال أول مشاركة مصرية في كرة الطائرة الشاطئية بالأولمبياد 2016 (ريو) وهي ترتدي الحجاب والملابس المحتشمة المسموح بها حينها، واعتبرها كثيرون رمزًا لتمكّن المسلمات من حفظ هويتهن وممارسة الرياضة على أعلى مستوى. هذه الخطوة فتحت نقاشات عالمية حول زيّ اللعب ودعمت قبول التنوع في القوانين الفنية للاتحادات.
- سارة أحمد — رفعات بارزة في الأثقال: البطلة الأولمبية التي حازت ميدالية برونزية في ريو 2016 وتظهر غالبًا بالحجاب في البطولات الدولية، ومثّلت نموذجًا آخر لسيدة مسلمة تُبدع على منصة الأبطال وتخطف الأنظار عالمياً. حضورها أزال بعض الحواجز النفسية أمام الفتيات.
- لاعبات كرة قدم مصرية محترفات في أوروبا: أمثلة مثل سارة عصام (Sarah Essam) التي احترفت في إنجلترا وإسبانيا، فتحت طريقًا أمام لاعبات مصريات للانتقال للاحتراف في الخارج — مع ملاحظة أن وجود الحجاب لدى كل لاعباة الاحتراف لا يطبق بالضرورة على كل حالة، لكن النمط العام هو أن المصرية نجحت في الاندماج بالبيئات الأوروبية.
هذه الأمثلة تظهر مسارين متوازيين:
أولاً، لاعبات مصريات حملن الحجاب إلى ساحات دولية (مثل دعاء وسارة) وأثبتن أن الحجاب لا يعرقل الأداء.
وثانياً، اللاعبات المصريات اللواتي احترفن في أوروبا في ألعاب جماعية وفردية (سواء محجبات أم لا) فتّحن الباب أمام انتقال محترفات جدد.
لماذا أهمّية نموذج مريم تتجاوز الرياضة؟
وجود محجّبة في دوري مثل Serie A1 له أثر اجتماعي عميق:
- كسر الصور النمطية عن عقلية الملاعب الأوروبية تجاه الحجاب.
- توجيه رسالة للمؤسسات الرياضية الدولية بأن قوانين اللباس يمكن أن تتسع للتنوع دون المساس بالمنافسة أو السلامة.
- إلهام للفتيات المصريات والمسلمات بأن الاحتشام والاحتراف ليسا متضادين.
- فرص تسويقية واجتماعية: الأندية الأوروبية كسبت جمهورًا جديدًا وفتحت شراكات محتملة مع مؤسسات مهتمة بالتنوّع.
ماذا بعد؟ رهانات وتحدّيات
النجاح الفني لمريم في إيطاليا سيعتمد على عدة عوامل: التأقلم مع مستوى اللياقة والتكتيك في الدوري الإيطالي، قدرة النادي على إدماجها تكتيكيًا، استقبال الجماهير، وتفهم الحكام والاتحادات لمسألة الزيّ بالملاعب القارية.
إلى جانب ذلك، رهان أكبر يكمن في أن تتحول قصة مريم إلى سياسة تشجيع فعلية للاعبات محجبات (برامج تطوير، منح احترافية، شبكات رعاية)، لا أن تبقى مجرد استثناء إعلامي.
في النهاية فإن انتقال مريم متولي إلى بوستو أرسيتسيو ليس مجرد خبر انتقال لاعب بين نادي وآخر؛ إنه فصل جديد في قصة الرياضة المصرية والعالمية، حيث تُختبر قدرة الملاعب الكبرى على احتضان التنوع الديني والثقافي.
إن شاهدة نجاحها هناك ستفعل شيئًا أكبر من أهداف أو نقاط: ستمنح آلاف الفتيات المسلمات في مصر والوطن العربي إذنًا ضمنيًا بأن «الاحتشام» و«الاحتراف» يمكن أن يجتمعا على ملعب واحد — وربما هذا هو الهدف الحقيقي من كل لعبة رياضية.