في أحدث فصول مأساة الرياضيين الفلسطينيين، أعلن أن سليمان أحمد زيد العبيد، لاعب منتخب فلسطين السابق والمهاجم المعروف (مواليد 1984)، استشهاد يوم 6 أغسطس 2025، برصاصة إسرائيلية بينما كان ينتظر وصول مساعدات إنسانية في غزة.
ويعدُّ هذا الاستشهاد أحدث ضحية في قائمة الرياضيين الذين سقطوا خلال الحرب الدائرة في القطاع.
وفي بداية أغسطس 2025، أعلن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم استشهاد اللاعب الدولي هاني المصري، قائد منتخب فلسطين لكرة القدم داخل الصالات، جراء قصف إسرائيلي استهدف منزله في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
كان المصري من أبرز لاعبي كرة القدم داخل الصالات في فلسطين، حيث شارك في عدة بطولات قارية وعربية، وكان أحد رموز المنتخب الوطني الذي سعى، رغم الحصار والحرب، إلى تمثيل فلسطين في المحافل الدولية.
جاء استشهاد المصري كأحدث حلقة في سلسلة طويلة من استهداف الرياضيين والمدربين في غزة، حيث تحوّلت الملاعب إلى ركام، وأصبح الطموح الرياضي في القطاع ضحية إضافية لحرب أكتوبر 2023 وما تبعها من عدوان مستمر حتى اليوم.
قائمة من الرياضيين الشهداء
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، لم تسلم الساحة الرياضية من تبعات القصف المستمر والحصار الخانق. وقد سقط عدد كبير من الرياضيين، من لاعبين وإداريين ومدربين، بعضهم من نجوم المنتخبات الوطنية أو أندية معروفة. من أبرز الأسماء:
محمد أبو دقة – لاعب كرة قدم في نادي شباب خان يونس، استشهد في أكتوبر 2023 إثر قصف منزله جنوب القطاع.
عدي الديري – مدرب فريق خدمات البريج لكرة السلة، قتل مع عدد من أفراد أسرته في نوفمبر 2023.
عصام أبو ظاهر – لاعب منتخب فلسطين لكرة الطائرة، استشهد أثناء عمله التطوعي في توزيع مساعدات إنسانية في يناير 2024.
طارق الزبدة – لاعب في نادي اتحاد الشجاعية، استهدفه القصف أثناء وجوده في الملعب البلدي في مدينة غزة في ديسمبر 2023.
أحمد الكحلوت – لاعب منتخب الشباب في كرة القدم، استشهد أثناء مغادرته التدريب متجهًا إلى منزله، في فبراير 2024.
سالم أبو زايد – أحد نجوم ألعاب القوى في غزة، استشهد خلال مشاركته في إسعاف المصابين بعد غارة استهدفت حي الشجاعية.
القائمة لا تنتهي هنا، فهناك عشرات الرياضيين الشهداء الذين لم تحظَ أسماؤهم بتغطية إعلامية بسبب صعوبة توثيق الحالات تحت القصف وانهيار البنية التحتية الإعلامية والرياضية في القطاع.
الملاعب تحوّلت إلى مقابر
منذ بداية الحرب، تعرضت عشرات المنشآت الرياضية للقصف المباشر أو للأضرار الجانبية، منها:
استاد فلسطين في مدينة غزة: تعرّض لتدمير جزئي إثر قصف جوي في نوفمبر 2023.
مركز خدمات رفح الرياضي: دُمّر بشكل شبه كامل بعد استهداف مجاور لمقره.
ملاعب التدريب في نادي اتحاد خانيونس: تحوّلت إلى مراكز إيواء للنازحين ثم تم قصفها.
وفق وزارة الشباب والرياضة في غزة، تم تدمير أو إلحاق ضرر بالغ بأكثر من 37 منشأة رياضية منذ بداية العدوان، مما أفقد آلاف الرياضيين فرصة ممارسة هواياتهم أو إعداد أنفسهم للمنافسات.
صمت دولي واستنكار محلي
أثارت موجة استشهاد الرياضيين موجة غضب في الأوساط الفلسطينية، حيث اعتبر الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أن ما يجري هو استهداف منظم للرياضة الفلسطينية ومحاولة لـ"قتل الأمل" لدى الشباب الفلسطيني.
في المقابل، لم تُصدر الفيفا أو الاتحاد الآسيوي لكرة القدم أي بيانات إدانة رسمية، وهو ما اعتبره الكثيرون نفاقًا رياضيًا تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أن هذه المؤسسات سابقة في إدانة استهداف الملاعب في مناطق أخرى من العالم.
يقول عبد السلام هنية، الأمين العام للمجلس الأعلى للشباب والرياضة في غزة:
"لقد استشهد لاعبونا وهم يحملون أحلام شعب بأكمله. العالم الرياضي خذلهم كما خذل أطفال غزة ونسائها. نحن لا نطلب أكثر من أن يتم التعامل مع شهدائنا كما يتم التعامل مع ضحايا الحروب في أماكن أخرى."
أحلام قُتلت تحت الركام
الرياضيون في غزة لم يكونوا مجرد لاعبين، بل رموزًا أملًا في واقع محاصر. استشهادهم لا يعني فقط فقدان أفراد، بل انهيار حلم رياضي جماعي، وصمت مؤلم لملاعب كانت تضج بالحياة والأمل.
الناشط الرياضي محمود حمودة، الذي نجا من قصف استهدف حفلًا رياضيًا في نوفمبر 2023، يقول:
"كلما أسمع استشهاد لاعب جديد، أشعر بأننا نخسر أنفسنا. كرة القدم كانت لنا المتنفس الوحيد في ظل الحصار. والآن أصبح اللعب جريمة يُعاقب عليها القصف."
رؤية مستقبلية.. هل من أمل؟
رغم الألم والخسائر، فإن الأوساط الرياضية الفلسطينية تؤكد أنها لن تتخلى عن الرياضة كأداة للمقاومة والتعبير عن الهوية. فالاتحاد الفلسطيني يخطط لإعادة بناء ما يمكن بناؤه، ويعمل على توثيق كل الشهداء من الرياضيين لرفع قضايا أمام المؤسسات الدولية، رغم إدراكه أن العدالة غائبة.
بعض المبادرات الشبابية بدأت بتوثيق أسماء الشهداء من الرياضيين، ووُلدت فكرة إقامة "دوري الشهداء" في حال توقف العدوان، ليكون تكريمًا لهؤلاء الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لأحلامهم.
الرياضة هدف تحت النار
من خلال استهداف الرياضيين، تسعى آلة الحرب الإسرائيلية إلى تجريد الفلسطيني من أي مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية.
لم يعد مقبولًا السكوت الدولي، ولا استمرار ازدواجية المعايير في التعامل مع الرياضة الفلسطينية.
ففي كل لاعب استشهد، هناك قصة وطنية وتاريخ رياضي يُسقط بسقوطه.
ورغم ذلك، لا تزال الكرة تلوح كصوت أخير للأمل في سماء تزدحم بالدموع والحصار.
فاستشهاد سليمان العبيد وهاني المصري هو تذكير بأن هذه الحرب لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا بين طفل ولاعب ومدرّب.
لكنه أيضًا شهادة على صمود شعب لا يزال، رغم كل شيء، يُمسك بكرة القدم ويجري في الأزقة، حتى لو كانت السماء تنذر بالموت.