في مشهد حمل رمزية عميقة ورسالة سياسية صارخة، أقدم مجموعة من الشباب المصريين في دول أوروبية وأبرزها هولندا في يوليو 2025، على محاصرة وإغلاق مقر السفارة المصرية بإحكام الأقفال على بواباتها، في محاكاة واضحة لما يتعرض له قطاع غزة من حصار مشدد.
هذا الفعل الرمزي الجريء يأتي في سياق موجة غضب شعبي متصاعدة تجاه سياسات نظام الانقلاب المصري، وخصوصاً فيما يتعلق بموقفه من الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، وتواطئه في إحكام الحصار على القطاع.
جاءت هذه الحركة الاحتجاجية في ذروة الغضب الشعبي على الدور المصري الرسمي بقيادة قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في تشديد الحصار على القطاع، وسط اتهامات بالخيانة وبيع القضية الفلسطينية لصالح تفاهمات أمنية وسياسية مع الاحتلال الإسرائيلي
لماذا يُتّهم السيسي بالخيانة؟
يواجه قائد الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي اتهامات متكررة من قِبل معارضين مصريين وفلسطينيين وحتى بعض القوى الدولية، بـ"الخيانة العظمى" بسبب دوره في الحصار المفروض على غزة.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير في 7 أكتوبر 2023، أغلقت السلطات المصرية معبر رفح الحدودي لفترات طويلة، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية، رغم تعهّدها في عدة محافل بأنها تلعب دور الوسيط الإنساني.
وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر، فإن أكثر من 80% من قوافل الإغاثة التي كانت متوجهة إلى غزة من المعبر المصري تم تعطيلها أو تأخيرها لساعات أو أيام، وبعضها لم يُسمح له بالمرور على الإطلاق. وقد وثّقت قناة الجزيرة في مايو 2024 صوراً لشاحنات إغاثة متوقفة في العريش وهي تفسد تحت الشمس.
الأقفال على سفارات مصر
في 23 يوليو 2025، نشر ناشط مصري اسمه "أنس حبيب" بثاً مباشراً يُظهر فيه لحظة تثبيت أقفال حديدية على بوابات السفارة المصرية في لاهاي بهولندا، قائلاً: "فليعرف النظام الآن معنى الحصار، وأتمنى أن يشعروا للحظة بما يعانيه أهل غزة"، متهماً نظام السيسي بـ"الكذب والخيانة" بشأن إغلاق معبر رفح الحدودي وعرقلة إدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر.
رافق هذا الفعل احتجاجات وتضامن من نشطاء هولنديين ودوليين أقدموا لاحقاً على تكرار الفعل ذاته، قامت الشرطة المحلية بقطع الأقفال وأخلت سبيل المحتجين دون توجيه تهم.
وفي خطوة لافتة من شباب الجالية المصرية في الخارج، أقدمت مجموعة من الناشطين المصريين على محاصرة مقرّ السفارة المصرية في بريتوريا، عاصمة جنوب إفريقيا، في الساعات الأولى من صباح يوم السبت 27 يوليو 2025. وقام المحتجون بإغلاق أبواب السفارة بأقفال حديدية، ورفعوا لافتات كتب عليها "السيسي خائن" و"افتحوا معبر رفح" و"ارفعوا الحصار عن غزة".
لم تقتصر موجة الغضب على هولند وجنوب إفريقيا، فقد شهدت عدة عواصم عالمية تظاهرات مشابهة نظمها شباب مصريون وعرب غاضبون من موقف القاهرة؛ أبرزها:
- السفارة المصرية في لاهاي (هولندا) يوليو 2025.
- في لندن (21 يوليو 2025)، تجمّع العشرات أمام السفارة المصرية، ورفعوا شعارات: "ارفعوا الحصار" و"مصر مش بوابة للموت".
- في اسطنبول (15 يوليو)، نُظمت وقفة حاشدة أمام القنصلية المصرية، هتف فيها المشاركون "يا سيسي يا عميل.. دم الأطفال مش رخيص".
- وفي نيويورك (23 يوليو)، فقد احتج نشطاء الجالية المصرية والفلسطينية أمام بعثة مصر الدائمة بالأمم المتحدة، متهمين القاهرة بـ"المشاركة في جريمة إبادة جماعية عبر الحصار".
معبر رفح وسيناريو "البوابة المغلقة"
أشار تقرير لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، صدر في يونيو 2024، إلى أن مصر تتحكم بشكل شبه مطلق في تدفق الغذاء والدواء إلى غزة، وأنها تمنع دخول الإمدادات تحت ذرائع أمنية، دون أي مساءلة دولية.
وأكد التقرير أن ما لا يقل عن 120 طفلًا فلسطينيًا تُوفوا منذ بدء الحرب نتيجة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، كان يمكن إنقاذهم لو فُتح معبر رفح بانتظام.
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت في مارس 2024 تحقيقًا وصفت فيه معبر رفح بـ"البوابة المغلقة أمام الحياة"، وحمّلت الحكومة المصرية مسؤولية مباشرة عن إطالة أمد معاناة المدنيين.
ومن أبرز التصريحات التي أثارت ضجة، ما قاله الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في لقاء تلفزيوني في أبريل الماضي: "السيسي يلعب دور الحارس لحدود إسرائيل، ومنع عن غزة الهواء والماء.. إنه شريك في الجريمة".
كما وصف المفكر الفلسطيني عزمي بشارة موقف القاهرة بأنه "تواطؤ مع الاحتلال في حرب إبادة".
البرلماني البريطاني جيريمي كوربن صرح في البرلمان في يونيو: "مصر تحت قيادة السيسي لا تسهّل المساعدات لغزة بل تعرقلها، وهذا عار إنساني".
أشار تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش في أبريل 2025 إلى أن واشنطن تستمر في تمويل النظام المصري بأكثر من 1.3 مليار دولار سنويًا، رغم تورّطه في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، داخليًا وخارجيًا.
وقد اعتبر التقرير أن "الدور المصري في حصار غزة يتم بتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل"، وهو ما يجعل من النظام المصري شريكًا في جريمة موصوفة ضد المدنيين.
مظاهرات الغضب في الداخل المصري رغم القمع
ورغم القبضة الأمنية الحديدية، شهدت بعض المحافظات المصرية مثل الإسكندرية وأسيوط والشرقية وقفات احتجاجية محدودة نُفذت في الخفاء، وكتب بعض الشبان على الجدران شعارات مثل:
- "السيسي باع سيناء وفلسطين"
- "غزة تنزف من تحت البوابة المصرية"
- "افتحوا رفح يا عملاء"
وقد أفادت منظمات حقوقية أن قوات الأمن المصرية اعتقلت ما لا يقل عن 22 ناشطًا في يوليو وحده، بتهم تتعلق بـ"نشر أخبار كاذبة والتحريض ضد الدولة".
تكشف هذه الموجة العالمية من الغضب الشعبي أن عبد الفتاح السيسي لم يعد يُنظر إليه فقط كديكتاتور قمع شعبه، بل كشريك مباشر في تجويع وقتل الفلسطينيين في غزة.
رغم محاولات نظام الانقلاب المصري تصوير نفسه كـ"وسيط إنساني"، فإن الأدلة الميدانية والتقارير الحقوقية والتصريحات الدولية تكشف نفاقًا سياسيًا ومشاركة فعلية في استمرار الحصار.
شعار "السيسي خائن" لم يعد مجرد تعبير غاضب، بل أصبح عنوانًا لحركة مقاومة سياسية تمتد من القاهرة حتى كيب تاون، ومن رفح إلى نيويورك.