يشهد المشهد الفلسطيني تصعيداً غير مسبوق مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتفاقم المجاعة وازدياد تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية وتسارع وتيرة الاستيطان.

ويقف النظام المصري، بقيادة قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي موقف المتواطئ مع الاحتلال على حساب المصالح والقضايا العربية الجوهرية، في وقت تتصاعد فيه تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الداعية إلى العودة لاحتلال غزة وفرض السيادة المطلقة على الضفة الغربية، في تجاهلٍ لكل الأعراف والقوانين الدولية.

 

حرب غزة.. القتل والدمار دون هوادة

في 18 مارس 2025، شنت إسرائيل أعنف هجوم عسكري على أجزاء واسعة من غزة منذ سنوات تحت مسمى "القوة والسيف"، أسفرت هذه الهجمات عن أكثر من 413 شهيداً خلال 48 ساعة، معظمهم من النساء والأطفال، وتجاوز عدد الضحايا في القطاع أكثر من 60,000 منذ بداية الهجوم في 7 أكتوبر 2023 وحتى يوليو 2025.

وتشير تقارير وزارة الصحة الفلسطينية لاستشهاد ما يزيد عن 8,800 مواطن منذ 18 مارس فقط، وجرح أكثر من 33,800 آخرين، في ظل تدمير آلاف المنازل والبنى التحتية الصحية الأساسية وتعمد استهداف مؤسسات الإغاثة.

خلال فترة وقف إطلاق النار في أوائل 2025، منعت إسرائيل دخول المواد الغذائية والأدوية للقطاع، وقطعت الكهرباء عن محطة التحلية، ما فاقم الأوضاع الصحية واعتبر دولياً جريمة حرب، وتزامنت الأحداث مع مواقف عربية ودولية تتسم بالتقاعس، فيما يبرز النظام المصري بدور الوسيط المتواطئ بتضييق شديد لحركة العبور عبر معبر رفح وإبعاد آلاف النازحين عن الحدود ومنع إدخال الإغاثة.

 

المجاعة.. الكارثة الجماعية

تشير تقارير رسمية للأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي إلى أن كل سكان غزة -أكثر من 2.2 مليون نسمة- يعانون خطر المجاعة مع تصاعد القتال وإغلاق المعابر منذ 2 مارس 2025، وأن 470,000 شخص يواجهون جوعاً كارثياً و71,000 طفل وأكثر من 17,000 أم بحاجة عاجلة للعلاج من سوء التغذية الحاد.

بلغ سوء التغذية أوجه في منتصف 2025، مع وفاة أكثر من 80 طفلاً وظهور حالات شلل نادرة بسبب نقص الفيتامينات الأساسية، ويُشير المرصد الرئيسي للأمن الغذائي العالمي إلى أن "أسوأ سيناريو للمجاعة يتحقق الآن"، بينما تُمنع فرق الإغاثة من الوصول لمعظم المناطق.

في هذا كله، يواجه سكان غزة الموت جوعاً أو قصفاً أو مرضاً، بينما لم يتخذ النظام المصري خطوات فاعلة لكسر الحصار أو فرض تدفق المساعدات بل اكتفى بمناشدات إعلامية عامة دون إجراءات عملية لفتح معبر رفح بشكل دائم وفعّال.

 

الضفة والاستيطان: التهجير القسري والتوسع المخطط

تواصلت عمليات الهدم والتهجير في مناطق الضفة الغربية، حيث وثقت الأمم المتحدة ارتفاعاً حاداً بهدم المباني وتهجير الأسر، إذ تم هدم 73 مبنى خلال أسبوع واحد (29 أبريل-5 مايو 2025)، وتهجير عشرات العائلات ومئة فلسطيني بينهم 58 طفلاً.

ومن نوفمبر 2023 حتى أكتوبر 2024، أنشأت إسرائيل 49 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة، في أكبر توسع استيطاني منذ عقود، مع الموافقة في مايو 2025 على بناء 22 مستوطنة جديدة رسمياً، فباتت 42% من مساحة الضفة تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، وفق تقديرات رسمية فلسطينية.

صرح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أن عام 2025 هو "عام السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة"، وأن ضم الضفة يجب أن يعود إلى أجندة إسرائيل، متفائلاً بدعم الإدارة الأميركية الجديدة لهذه المساعي.

كما صادق الكنيست الإسرائيلي، في 23 يوليو 2025، على مقترح يدعو حكومة الاحتلال لفرض السيادة على جميع الضفة وغور الأردن.

 

تصريحات صادمة: "غزة جزء من إسرائيل والاستيطان واقع"

في 29 يوليو 2025، أطلق وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، تصريحات نارية: "غزة جزء لا يتجزأ من إسرائيل، والاستيطان فيها أقرب من أي وقتٍ مضى، وهو خطة عمل واقعية، ولم نقدم هذه التضحيات الكبيرة لنسلم غزة من عربي إلى عربي آخر".

اعتبرت هذه التصريحات تهديداً صريحاً بمواصلة جرائم الإبادة والتهجير القسري، ودليلاً إضافياً على مشروع الاحتلال لفرض سيطرته الكاملة والسيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، في ظل غياب رد عربي رادع، وانشغال العواصم المركزية -وعلى رأسها القاهرة- بسياسات الحفاظ على الاستقرار الأمني والتطبيع والشراكات مع تل أبيب بدلاً من نصرة الفلسطينيين.

أشعلت هذه التصريحات موجة تنديد فلسطينية وعربية شعبية، إذ دعت حركة حماس إلى محاكمة قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية بتهم جرائم الحرب والتحريض على التطهير العرقي.

 

ازدواجية وتواطؤ

بينما تتسارع خطط الاحتلال، تلازم القيادة المصرية الصمت أو إصدار بيانات عامة، دون أي إجراءات عملية لمنع إعادة احتلال غزة أو تهويد الضفة أو دعم مقاومة حصار القطاع.

تستعين حكومة الانقلاب المصرية بخطاب الوساطة وضبط الأمن مع تجاهل المأساة الإنسانية وتراجع واضح لدورها التاريخي كحاضنة للقضية الفلسطينية، في وقت يستفيد نظام السيسي من استمرار حالة الطوارئ الأمنية العالية لتبرير التضييق على الحريات الداخلية.

على صعيد المجتمع الدولي، أصدر 7 دول غربية -بينها واشنطن ولندن- تحذيرات شديدة اللهجة لنتنياهو من عواقب خطوات وزير المالية الإسرائيلي الساعية لإسقاط السلطة الفلسطينية وتدمير اقتصادها بالكامل.

وفي المقابل، وجهت السعودية والإمارات وقطر بيانات دعم لفظي للفلسطينيين وسط غياب إجراءات حقيقية.

 

المأزق العربي بين التطبيع والمقاومة

بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي سياساته العدوانية على الشعب الفلسطيني، يتفاقم الغضب في صفوف الشعوب العربية والدولية إزاء المواقف المصرية الرسمية المتواطئة أو المترددة من وجهة نظرهم، حيث لم يعد الخطاب التقليدي كافياً لوقف نزيف الدماء أو منع المجاعة أو وقف الزحف الاستيطاني.

إن حالة الشلل الرسمي العربي، والتطبيع المتسارع، تكشف عمق الأزمة والانفصام بين إرادة الشعوب العربية ومواقف الأنظمة، لتستمر فلسطين وحدها في مواجهة الحملات العسكرية والكارثة الإنسانية وسط تواطؤ محلي وصمت دولي خانق.