لليوم الثالث على التوالي، تتواصل معاناة الآلاف من سكان محافظة الجيزة بسبب انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب، نتيجة عطل فني في محطة محولات جزيرة الذهب الرئيسة، في وقت تشهد فيه البلاد موجة حرٍّ شديدة، إذ سجّلت درجات الحرارة نحو 41 درجة مئوية في مناطق القاهرة الكبرى، وتجاوزت 45 درجة في محافظات الصعيد جنوبي البلاد.
وأعلنت محافظة الجيزة، أمس الاثنين، عن انتهاء الفرق الفنية المختصة من إصلاح كابل الجهد العالي المتضرر في منطقة ساقية مكي جنوب المحافظة، مشيرة إلى أن عملية إعادة التيار الكهربائي بدأت تدريجيًا في المناطق المتضررة، بما في ذلك المنشآت العامة والحيوية.
وفي بيان رسمي، أعربت المحافظة عن "بالغ أسفها واعتذارها للمواطنين عن المعاناة التي تسبب فيها انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، وما ترتب عليه من توقف مؤقت في خدمات مياه الشرب". وأضاف البيان أن محطة مياه جزيرة الذهب عادت إلى العمل بشكل منتظم، مع بدء ضخ المياه تدريجيًا إلى المناطق المتأثرة، في إطار خطة استعادة الخدمات الأساسية بأسرع وقت ممكن.
وأكدت المحافظة التزامها الكامل باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لضمان استقرار خدمات الكهرباء والمياه، وتفادي تكرار مثل هذه الأعطال مستقبلًا، لا سيما في ظل الظروف المناخية القاسية التي تشهدها البلاد.
واستغرقت الشركة المصرية لنقل الكهرباء، التابعة لوزارة الكهرباء، وقتًا طويلًا في إصلاح العطل المفاجئ الذي ضرب محطة محولات جزيرة الذهب، إحدى محطات الكهرباء الرئيسية في محافظة الجيزة، السبت الماضي، على خلفية حدوث خلل فني تسبب في انسحاب الجهد من إحدى دوائر المحطة، وهو ما أدى إلى انقطاع التيار عن عدد من المناطق المكتظة بالسكان، مثل إمبابة والعمرانية والهرم وفيصل والحوامدية، وترتب عنه تأثر وصول المياه إليها بشكل طبيعي.
30 ساعة من الجحيم
ووفقًا لإفادات متطابقة من سكان مناطق الهرم وفيصل والعمرانية والطالبية، فإن التيار الكهربائي ينقطع عن منازلهم بانتظام منذ صباح السبت، لفترات قد تصل إلى خمس ساعات، تتخللها عودة قصيرة للكهرباء لا تتجاوز ساعتين، قبل أن تنقطع مجددًا، وفقًا لـ"العربي الجديد".
وأكد الأهالي أن خدمات مياه الشرب لا تزال منقطعة بشكل شبه تام، رغم إعلان المحافظة عن بدء ضخ المياه تدريجيًا. وذكر بعض السكان أن المياه لم تصل إلى مناطق مثل الطوابق والعمرانية الشرقية منذ أكثر من 30 ساعة متواصلة عاشوا خلالها الجحيم أشكالًا وألوانًا، فيما لُوحظت انقطاعات متكررة في خدمات الاتصالات والإنترنت أيضًا، ما زاد من تعقيد الأوضاع لدى المواطنين.
ورغم إعلان محافظة الجيزة عن إرسال مولدات كهربائية مؤقتة وسيارات مياه صالحة للشرب لتغطية المناطق المتضررة، إلا أن شهود عيان أكدوا أن هذه الحلول بدت غير كافية. فقد شهدت نقاط توزيع المياه ازدحامًا شديدًا وسط تكدس المواطنين، في مشهد وصفه البعض بأنه "مهين" ومؤشر على غياب الحلول المستدامة.
وفيما عبّر كثيرون عن غضبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كتب المواطن محمد إبراهيم عباس: "ماذا فعلت الحكومة إزاء انقطاع المياه عن محافظة الجيزة لمدة 19 ساعة؟ لا شيء. بناء القصور والمدن الجديدة يتم بقروض، أما المواطن فيُترك لمصيره في الظلام والعطش!"
أما شيماء جلال، فوصفت المشهد بقولها بنبرة صوت يملؤها الغضب: "12 ساعة من الجحيم، لا كهرباء ولا مياه، ولا حتى مسؤول يخرج ليطمئن الناس أو يشرح شيئًا. أرقام الطوارئ مغلقة، والمحولات تحترق، فأين ذهبت مليارات مشاريع البنية التحتية؟"
كما قال سامي جابر، وهو من سكان منطقة كرداسة: "منذ يوم كامل ونحن بلا كهرباء أو مياه، وبدأ اليوم الثاني ونحن لا نعرف السبب الحقيقي. لا توجد شفافية، وكل ما يصلنا تبريرات ومسكنات، بينما ملايين يعانون، خصوصًا الأطفال وكبار السن".
مفارقة صارخة بين الواقع والسلطة
في الوقت الذي يعاني فيه ملايين المصريين من انقطاع الكهرباء والمياه لساعات وربما لأيام، يتداول المواطنون صورًا ومشاهد لمسؤولي الدولة ووزرائها وهم يقيمون في منتجعات فارهة وفيلات فاخرة بالساحل الشمالي، حيث الكهرباء لا تنقطع، والمياه لا تتأثر، والخدمات تعمل بكفاءة عالية. هذه المفارقة بين واقع البسطاء وحياة "النخبة" في مؤسسات الحكم تعزز من الإحساس العام بالتمييز وغياب العدالة، وتطرح تساؤلات حقيقية حول أولويات الدولة ومدى قربها من معاناة شعبها.
تآكل الثقة وتصاعد السخط
مع تكرار الأزمات وغياب الشفافية أو حلول جذرية، تتآكل ثقة الناس في وعود حكومة السيسي ومؤسساتها، ويزداد السخط الشعبي، خاصة مع غياب بيانات رسمية توضح أسباب الانقطاعات، أو خطة واقعية لمنع تكرارها. ويشعر كثيرون أن الحكومة منشغلة بمشاريع استعراضية وعواصم إدارية وفنادق خمس نجوم، بينما تنهار أبسط الخدمات في المدن والقرى القديمة. في هذا السياق، يتحول الانقطاع الكهربائي والمائي من أزمة خدمية إلى رمز لفشل أوسع في الإدارة والإنصات لصوت الناس.
الأزمة تبدو بعيدة عن الحل، مع اتساع رقعة الغضب الشعبي في ظل غياب خطة واضحة من الحكومة، وعجز البنية التحتية عن الصمود أمام موجات الحرارة المتزايدة.