أثار المؤتمر الأممي المعني بتسوية القضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، والذي يُعقد في نيويورك برئاسة مشتركة بين فرنسا والسعودية، تساؤلات حول قدرته على إحداث أثر عملي في ظل رفض حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التام لقيام دولة فلسطينية واستمرار عملياتها العسكرية في قطاع غزة.
وشددت معظم الكلمات التي أُلقيت في المؤتمر على أن حل الدولتين هو الخيار الواقعي الوحيد لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، داعين إلى تفعيل المسار السياسي وإعادة القضية الفلسطينية إلى طاولة المجتمع الدولي.
لكن إسرائيل عبّرت عن انزعاجها من محاولات تدويل الملف الفلسطيني، معتبرة - بحسب محللين - أن هذا الملف لم يعد أولوية على الصعيدين الإقليمي والدولي منذ موجة التطبيع في عام 2020، والتي أسهمت في تهميشه.
وفي هذا السياق، أوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية، مهند مصطفى، خلال استضافته في برنامج "ما وراء الخبر"، أن تل أبيب تنظر إلى إعادة طرح حل الدولتين وتدويل الصراع كخطوة تراجع عن المكاسب السياسية التي حققتها مؤخرًا، مؤكداً أن حكومة نتنياهو تتعامل مع هذه المبادرات الدولية على أنها ضغوط سياسية أكثر من كونها مساعي حقيقية لتسوية النزاع.
ويرتكز التصور الإسرائيلي على فكرة القضاء على القضية الفلسطينية نهائيا، معولة على تماهي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع المصالح الإسرائيلية، حسب مصطفى، الذي رجح إقدام تل أبيب على ضم أجزاء من الضفة الغربية بموافقة أميركية.
وكانت باريس قد اقتربت كثيرًا من الشروط الإسرائيلية لإقامة دولة فلسطينية، مثل اشتراطها نزع السلاح وإصلاح السلطة الفلسطينية وعدم إشراك حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لكن ذلك لم يشفع لها، إذ لا تقبل إسرائيل بالمبادرة الفرنسية.
"لا مكان للتفاؤل"
من جانبه، أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أن الأوضاع في الشرق الأوسط على حافة الانهيار، مشددا على أن الوقت حان لأجل تطبيق حل الدولتين، لكنه حذر من أن هذا الحل بات الآن "أبعد من أي وقت مضى".
وبناء على هذا الواقع، يبدو التفاؤل الذي رفعه البعض يجافي الحقائق السياسية التي حددتها فرنسا، مثل وضع اشتراطات على الجانب الفلسطيني لكي يكون هناك مسار لدولة فلسطينية، وفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح حسن أيوب.
كما أن إسرائيل لا تُطالب بأي اشتراطات ولا يُفرض عليها أي إجراءات -حسب أيوب- مما يعني أن المؤتمر يندرج في إطار محاولات كسر حالة الجمود السياسي، ويهدف إلى "تطبيع الوجود الإسرائيلي في المنطقة على حساب الحقوق المشروعة للفلسطينيين".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل لم يضع المؤتمر أولويات واكتفى بطرح القضية بطريقة غامضة من دون التطرق إلى تفاصيل مهمة، مثل إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، في وقت توضع فيه شروط مسبقة عليها كالاعتراف بإسرائيل.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، لم يستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح إعلان إسرائيل سيادتها على الضفة الغربية "إن لم تقترن أي خطوة دولية بفرض عقوبات ملموسة عليها".
مساواة الجلاد بالضحية
بدوره، عرج الخبير بشؤون الأمم المتحدة عبد الحميد صيام على تأجيل المؤتمر وانخفاض مستوى التمثيل والاهتمام به، وكذلك تغيير مكان انعقاده من قاعة الجمعية العمومية إلى مجلس الوصاية.
ووفق صيام، فإنه من المفترض أن تكون هناك خطوات عملية لتنفيذ حل الدولتين، لكن المؤتمر لا يشير إلى مجازر غزة والفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل، ومعاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وعائلاتهم.
كما لا يتطرق المؤتمر إلى قرار محكمة العدل الدولية بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ويتحدث فقط عن "العنف" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشددا على ضرورة عدم مساواة الضحية بالجلاد ووقف الحرب والتجويع والاستيطان والاحتلال.
لكن إسرائيل التي باتت -حسب صيام- محاصرة وضعيفة سياسيا "لا تريد أي ذكر للقضية الفلسطينية".