في عام 2015 عاشت مصر واحدة من أشهر قصص الظلم التعليمي مع الطالبة مريم ملاك تادرس، التي حصلت على “صفر” في امتحانات الثانوية العامة، وادعت أن ورقتها قد تم تبديلها لصالح أحد أبناء الكبار أو أصحاب النفوذ، ورغم تصعيد الأسرة القضية للنيابة وغضب الرأي العام، لم تعترف الدولة بحدوث الخلل، ورُفضت جميع طعونها.

المفارقة كانت في أن مريم عقب هذه الأزمة واصلت مشوارها الدراسي، فأنهت دراستها في كلية الصيدلة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، محققة نتائج متقدمة في سبع مواد دفعة واحدة، ما يعد أبلغ دليل على أن ما حدث كان ظلماً مؤسسياً وليس نتيجة ضعف شخصي.

 

"شراء اللجان" والتغشيش لأبناء الكبار

شهدت السنوات الأخيرة تفاقماً خطيراً لظاهرة "شراء اللجان" وتسريب الامتحانات مقابل رشاوى كبيرة تصل لملايين الجنيهات، حيث كشفت تقارير صحفية لعام 2025 عن رشاوى وصلت إلى نصف مليون جنيه للمراقبين في بعض اللجان لتسهيل الغش، وبقاء لجان مفتوحة بالكامل لنجل نائب برلماني أو مسؤول، وسط تورط جهات تنفيذية وأعضاء برلمان وأجهزة أمنية بالتواطؤ أو التغاضي، وظهرت لجان خاصة منسوبة لأبناء الأكابر، مع نقل الطلاب ذوي النفوذ إليها ومنع التحويلات العامة إلا بوساطة ونفوذ، في نموذج فجّ لاستغلال السلطة لصالح طبقة محددة.

 

فساد وغش التعليم في مصر

لوثة الفساد ليست مقصورة على الامتحانات، بل تمتد إلى مناهج التعليم الموجهة لصالح شركات الكتب الخارجية التي تُباع قبل بدء الدراسة، كبار المسؤولين في وزارة التعليم شركاء فعليون في المدارس الخاصة التي تفرض رسوماً ضخمة دون التزام بمعايير أو جودة، وغالباً تكون المدارس بلا فصول حقيقية ولا رقابة، بينما تدّعي الوزارة جهلاً بكل ذلك.

تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2025 أدرج التعليم في مصر ضمن أكثر القطاعات فساداً بنسبة 13.4% من الحالات الحكومية، وجاء في المرتبة الخامسة بعد القطاعات المالية والإدارية، مشيراً إلى تفشي المؤسسات التعليمية الوهمية وغياب الرقابة الجدية.

ترسخ الحكم العسكري في مصر، منذ انقلاب 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي، شكل بيئة خانقة للفساد والافتقار للعدالة والكفاءة، اختزلت السلطة العليا كل القطاعات، خاصة التعليم، في الولاء الأمني لا الكفاءة، مع تعيينات مفروضة من الأمن وإقصاء أي معارضة أو كفاءة مهنية، يقول الكاتب علاء الأسواني إن "الحكم العسكري يقدم الولاء على الكفاءة... الوزراء يختارون أمنياً لا بمعايير علمية".

تضاعفت القروض والديون لهذا القطاع دون إنجازات ملموسة، فيما تتبخر ميزانيات التعليم في دوائر الفساد وسط غياب المحاسبة أو الشفافية، بينما لا يحصل المعلمون سوى على رواتب زهيدة رغم العجز الحاد في أعدادهم، والصفوف الدراسية فوق طاقتها الاستيعابية.

 

إحصاءات وتقارير

  • في 2024 بلغ العجز في أعداد المعلمين قرابة 470,000 معلم، بما يعادل 40% من الاحتياج الحقيقي للنظام التعليمي، ما أدى إلى اكتظاظ الفصول وتراجع جودة التعليم.
  • نحو 250,000 فصل دراسي ناقص في المدارس الحكومية، ويصل عدد الطلاب في بعض الفصول إلى 200 طالب في الفصل الواحد في أسوأ الحالات.
  • نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي لا تتعدى 75%، وتنخفض إلى 60% فقط في المرحلة الثانوية، مع ارتفاع معدلات التسرب في المناطق الفقيرة.
  • صنّف مؤشّر التعليم الدولي مصر في المرتبة 80 من 133 دولة في جودة التعليم قبل الجامعي.
  • 44 % من الطلاب المصريين في الفئة العمرية 10-14 لا يستطيعون قراءة نص بسيط وفهمه.
  • قطاع التعليم يُصنف كبؤرة فساد بارزة بعشرات القضايا المثبتة سنوياً، وفق تقارير الشفافية الدولية.

وزير التعليم الأسبق بحكومة الانقلاب طارق شوقي أقر رسمياً بوجود إهمال مزمن ونقص "حرج" في المدرسين، مؤكداً أن القضاء على الغش يستحيل في الواقع العملي بسبب تورط جهات متعددة، وقال: "الدولة عاجزة عن السيطرة الكاملة على اللجان الخاصة والتسريبات وسط نفوذ الأولياء وأبناء كبار المسؤولين".

من جانبه، قال الخبير التربوي محمد الصايم: "الحكومة مسؤولة عن استفحال الغش وبيع اللجان لأنها لم تتعامل بجدية مع الظاهرة، والفشل المستمر أدى لجعل الغش الجماعي منظومة منظمة يشترك فيها الجميع".

ما حدث مع الطالبة مريم ليس استثناءً بل علامة على انهيار حقيقي لمنظومة التعليم تحت حكم عسكري تسلطي، تلاحمه المظالم الشخصية مع الفساد المؤسسي، وتكريس امتيازات خفية لأبناء النفوذ، وتخلي النظام عن مسئولياته اتجاه الطلاب والمدرسين هو جرح لا يعالج إلا بتغيير حقيقي في بنية الحكم وإدارة التعليم، اليوم، مؤشر الفساد في التعليم في مصر ليس مجرد رقم بل يختصر مصير أجيال تضيع فرصها كل يوم في ظل منظومة لا تعترف إلا بصوت القوة.