في عام 2025، أعلنت وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب تثبيت قيمة رسوم التظلم من نتيجة كل مادة في الثانوية العامة عند 300 جنيه، وهو مبلغ يثير ضغوطًا مادية متزايدة على كثير من الأسر، لا سيما مع تكرار الشكاوى حول تراجع العدالة في التصحيح، ويشمل نظام التظلمات خضوع الطالب لإجراءات إلكترونية ودفع الرسوم من خلال البريد المصري أو منافذ دفع إلكتروني عدة، على أن تُعيد الوزارة المبلغ فقط في حال ثبوت أحقيته في درجات إضافية.

تصدرت وسم #ثانوية_العامة و #تظلمات_الثانوية_العامة منصات التواصل الاجتماعي عقب إعلان الرسوم، إذ اشتكى أولياء الأمور والطلاب من التكلفة المرهقة لفئات واسعة من الشعب المصري، وصف البعض نظام التظلمات بأنه "وسيلة رسمية لتحصيل الأموال من آلام الأسر".

فيما انتشر على مدار يومين عشرات الفيديوهات لطلاب يعربون عن "الصدمة" من سوء التصحيح وتكلفة مراجعة ورقة واحدة فقط، وارتبطت التعليقات السلبية بقيام الحكومة بتحويل عملية استرداد الحق لامتياز للأثرياء فقط وليس للجميع، معتبرين أن التعليم أصبح أداة لتكريس التفاوت الطبقي، وسط تغطية واهتمام إعلامي لموجة الغضب الشعبي.

كتب أحد أولياء الأمور: "ابني جاب 71% وكان بيجيب فوق الـ90، وعايز يتظلم في 4 مواد.. يعني 1200 جنيه؟! وإحنا أصلاً بندفع بالعافية مصاريف الدروس والكتب!".

بينما نشرت طالبة تغريدة قالت فيها: "مش لاقيين ناكل، ولسه عايزينا ندفع 300 جنيه عشان ورقة؟ دي تجارة مش تعليم".

 

مقارنة تاريخية..!!

من خلال رصد الأرقام الرسمية، كانت رسوم التظلم في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي (2012-2013) لا تتجاوز 100 جنيه للمادة آنذاك، بينما ظلت رسوم التظلم شبه ثابتة في السنوات الأولى لحكم قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي (2014- 2017)، حيث تراوحت بين 100 إلى 120، ثم تضاعفت خلال السنوات الأخيرة لتصل إلى 300 جنيهاً.

هذا يعني زيادة بنسبة 200% منذ فترة الرئيس مرسي، وهي قفزة لم تواكبها أي زيادة نوعية في مستوى الخدمات المقدمة ضمن عملية التظلم أو تحسين لآليات التصحيح لطمأنة الطلاب.

 

ماذا تجني الدولة سنويًا من ملف "التظلمات"؟

توضح الأرقام أن قرابة 100 ألف طالب يتقدمون سنويًا لتظلمات في مادة أو أكثر، وإذا افترضنا أن متوسط عدد المواد محل التظلم هو مادتان لكل طالب، فهذا يعني حوالى 60 مليون جنيه سنويًا تدخل صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية فقط من رسوم التظلمات، وهو مبلغ معتبر ربما لا تخصصه الدولة بالضرورة لتطوير منظومة التصحيح نفسها، وفي السنوات الأخيرة، تضاعف هذا المبلغ تدريجيًا مع تصاعد تكلفة الرسوم وعدد الطلاب المتظلمين.

وإذا افترضنا أن نصف عدد الطلاب المتقدمين للثانوية العامة والذين يبلغ عددهم نحو 745 ألف طالب يتقدمون للتظلم في مادة واحدة فقط، فإن حصيلة الدولة من التظلمات ستكون نحو 111 مليون جنيه، أما إذا تقدم كل طالب في المتوسط للتظلم في مادتين، فإن الحصيلة تقفز إلى أكثر من 220 مليون جنيه سنويًا.

 

جباية شرعية؟!

أدان سياسيون وتربويون قرار تثبيت رسوم التظلم عند أعلى شريحة تاريخيًا، معتبرين أن حكومة الانقلاب "تحول مأساة التصحيح الخاطئ إلى مورد تمويلي ثابت بدلًا من معالجة أصل المشكلة"، وأكدوا أن مجانية التعليم -التي نص عليها الدستور المصري- باتت مجرد "واجهة رمزية"، مشيرين إلى أن حق التظلم يجب أن يكون أبسط وأيسر لا أن يتحول لعائق مادي يثني الفقراء عن المطالبة بحقوقهم.

بعضهم طالب بإلغاء الرسوم أو ربطها بمستوى دخل الأسرة، مؤكدين أن هذه السياسة تعمّق الفجوة بين فئات المجتمع وتُضيف "وجعًا اجتماعيًا" جديدًا فوق هموم الثانوية العامة، التي اعتبرها البعض "كابوس الأسرة المصرية في عصر السيسي".

وعلى الرغم من تعهد المسؤولين بأن الرسوم تُرد في حال ثبوت خطأ التصحيح، تشير الإحصاءات غير الرسمية إلى أن نسبة الطلاب المستفيدين فعليًا محدودة جدًا، حيث لا يتعدى من يسترد رسومه أو ينال درجات إضافية إلا أقلية مقارنة بعدد الشاكين.

مع ذلك، لا تزال الوزارة تؤكد إعلاميًا أن الرسوم تذهب لصندوق دعم المشروعات التعليمية، دون تفاصيل شفافة حول كيفية إنفاق هذه الإيرادات أو تحسين جودة التصحيح الفعلي.

شهد التعليم المصري في عهد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي انهيارًا غير مسبوق على عدة أصعدة، من تدهور البنية التحتية للمدارس، وغياب الكفاءة في التصحيح، إلى التوسع في الدروس الخصوصية نتيجة ضعف الأداء المدرسي.

وفي تقرير لمركز "كارنيغي" في 2023، أشار إلى أن الحكومة المصرية تنفق أقل من 3.5% من الناتج المحلي على التعليم، في حين أن المعدل العالمي الموصى به يتجاوز 6 %، وهو ما يعكس غياب الرغبة السياسية في الاستثمار في التعليم.

الخبير التعليمي الدكتور محمد كمال صرّح في مقابلة مع قناة "الشرق" المعارضة أن: "نظام التظلمات الحالي غير شفاف، والرسوم أصبحت تجارة رسمية، تضاف إلى قائمة الجبايات من المواطن المصري الذي لم يعد يثق في أي مؤسسة تعليمية".

يعكس ملف تظلمات الثانوية العامة حالة من انعدام الثقة بين المواطن والحكومة في حقبة قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، إذ يشعر المصريون بأن الدولة باتت تُتاجر بمعاناة الأسر، وأن آليات العدالة التعليمية تم تسليعها تدريجيًا تحت شعارات التحصيل والصناديق الخاصة، وسيتطلب إصلاح هذا الملف إرادة سياسية حقيقية تعيد الاعتبار لمنظومة التعليم وتصون حق الجميع في العدالة والمساواة على الأقل في مرحلة تقرير المصير الوظيفي والتعليمي للأجيال القادمة.