شهدت مصر في الأيام الأخيرة من يوليو 2025 حركة تنقلات واسعة داخل وزارة الداخلية، حدث ذلك في ظل مناخ سياسي متوتر وأحداث غير مسبوقة في الشارع المصري، ما يفضح مدى التخوف لدى نظام قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي وحكومته من تصاعد الغضب الشعبي ومن تفجر الأوضاع الداخلية خاصة بعد حادثة اقتحام مقر جهاز الأمن الوطني في المعصرة.

التقرير التالي يتناول خلفيات وملابسات هذه التنقلات، الأسماء والمناصب الجديدة، دلالاتها السياسية، وأبرز الأحداث التي تخشاها حكومة السيسي.

 

أولاً: تفاصيل حركة التنقلات

أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب المصرية عن حركة تنقلات غير مسبوقة شملت قيادات عليا وعدداً من مديري الإدارات الأمنية في القاهرة، الجيزة، الإسكندرية وعدة محافظات أخرى، وفق تقارير صحفية، تم الإبقاء على اللواء محمود توفيق وزيراً للداخلية، من أبرز المنقولين:

  • تولى اللواء محمد السيد منصب مدير أمن القاهرة خلفاً للواء أشرف الجندي.
  • تمت ترقية اللواء خالد عبد العال ليشرف على إدارة الأمن الوطني.
  • انتقال اللواء عصام سعد من أسيوط إلى منصب مساعد الوزير للأمن العام.

لم يتم الإعلان رسمياً عن أسماء جميع المنقولين، لكن المؤكد أن الحركة استهدفت إعادة هيكلة جهاز الشرطة، تعزيز السيطرة على الأجهزة الحساسة، والإطاحة ببعض القيادات التي أثيرت حولها علامات استفهام حول كفاءتها أو ولائها في الأسابيع الأخيرة.

 

ثانياً: التوقيت والدوافع الحقيقية وراء الحركة

تأتي هذه التنقلات بعد أيام من حادثة نوعية، اقتحام مجموعة شبابية مقر جهاز الأمن الوطني في المعصرة واحتجاز عناصر أمنية لساعات في 25 يوليو 2025، تعد هذه الواقعة هي الأولى من نوعها بهذا الحجم منذ تولي السيسي الحكم في 2014.

توقيت التنقلات يكشف عن رغبة النظام في احتواء حالة الغضب الشعبي المتصاعدة، خاصة في ظل تصاعد الاحتجاجات على الموقف المصري من إغلاق معبر رفح وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.

تخشى سلطة الانقلاب على وجه خاص من اتساع دائرة الاحتجاجات وخروجها عن السيطرة، لذا تعيد ترتيب قيادات الداخلية أملاً في إحكام القبضة الأمنية ومنع تكرار حوادث التمرد أو الهجوم على رموز الأمن.

 

أبرز ملامح وتوقيت الحركة

  • تمت الموافقة النهائية على الحركة يوم السبت 26 يوليو 2025 عقب استكمال أعمال "خلية نحل" داخل قطاع ضباط الشرطة الذي عمل لأكثر من شهر تحت قيادة وزير الداخلية محمود Tawfik لتنفيذ التوجيهات.
  • شملت الحركة تغييرات في حوالي 70 قيادة أمنية ومراكز (مديري أمن، نوابهم، مساعدي الوزير، قطاع الأمن الوطني، الأكاديمية...)، إضافة إلى دمج وتعيين قيادات شابة.

 

أسماء رئيسية وتنقلاتها

1. اللواء عاطف عبدالعزيز محمد خالد

  • المسمّى القديم: من قيادة أمنية سابقة
  • الجديد: مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن الوطني

 

2. اللواء محمد غازي

  • الجديد: رئيس قطاع الأمن الاقتصادي
  • السابق: لم يُذكر المنصب السابق بالتفصيل في المصادر إلا أنه ضمن القيادات العليا التي تمت تصعيدها

 

3. اللواء محمد منصور

  • الجديد: رئيس قطاع الأموال العامة

 

4. اللواء محمد عويس

  • الجديد: مدير أمن الجيزة
  • السابق: تعيينه خلفًا للواء سامح الحميلي المُحال للمعاش

 

5. اللواء رشاد فاروق محمد رشاد أحمد سليمان

  • الجديد: مدير أمن الإسكندرية

 

6. اللواء أسامة نصر جلال عبد المولى

  • الجديد: مدير أمن الغربية

 

7. اللواء عصام صلاح الدين أحمد هلال

  • الجديد: مدير أمن الدقهلية

 

8. لواءات أخرى شملت قوائم التعيين:

  • مدير أمن المنوفية: اللواء علاء الدين عامر
  • مدير أمن المنيا: اللواء حاتم حسن أحمد علي
  • مدير أمن أسوان: اللواء عبد الله عبد الهادي جلال عصر
  • مدير أمن قنا: اللواء محمد حامد هشام أحمد
  • مدير أمن البحر الأحمر: اللواء أيمن عادل الحمزاوي
  • مدير أمن بورسعيد: اللواء محمد محمد خليل الجمسي

 

9. أكاديمية الشرطة

  • الرئيس السابق: اللواء هاني أبو المكارم (أحيل إلى المعاش)
  • الجديد: اللواء نضال يوسف تولى الرئاسة، ضمن تغييرات لتعزيز الأكاديمية بـ"دماء جديدة"

 

أبرز الأحداث التي تخيف السيسي وحكومته

يواجه النظام حالياً جملة من التحديات:

  • تصاعد الاحتقان الشعبي احتجاجًا على موقف مصر من قطاع غزة، خاصة بعد إغلاق معبر رفح وتزايد الضحايا الفلسطينيين، وهو ما انعكس في المظاهرات واقتحام مقار شرطية.
  • تزايد التخوف من استنهاض جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها في الداخل، بعد تجدد نشاطهم على المستوى الإعلامي والتحريضي بحسب اعتراف وزير الداخلية نفسه في يناير 2024.
  • القلق من انتشار حالة العصيان الأمني في عدد من أقسام الشرطة نتيجة الاستياء بين ضباط الصف والجنود من السياسات الحالية.
  • الأزمة الاقتصادية وتراجع هيبة الدولة مقابل اتساع الفجوة الاجتماعية والفقر، كلها تعيد للأذهان أجواء يناير 2011.

السلطة تخشى أيضاً من تداعيات تشريعات جديدة توسع صلاحيات الضبطية القضائية للشرطة، ما قد يؤدي لتزايد الاحتكاكات المباشرة مع المواطنين وانفجار موجة جديدة من الغضب.

في تصريحاته الأخيرة، برر السيسي ووزير داخليته محمود توفيق حركة التنقلات بالسعي لتطوير الجهاز الأمني ومواكبة "التحديات المعاصرة". بينما رأت آخرون أن ما يجري محاولة للهروب إلى الأمام وتكريس مزيد من القمع والخشية من تكرار سيناريوهات الربيع العربي.

على الجانب الآخر قالت حركة "الحرية للجدعان" إن التنقلات "لن تقمع الثورة الحقيقية الكامنة في الشارع المصري"، وأضافت أن النظام يحول الداخلية إلى أداة عمياء تخشى شعبها بدلًا من حماية أمنه.

من جهة أخرى، قال اللواء السابق سعيد صادق: "الحركة دليل على فشل الاستراتيجية الأمنية الحالية، ومؤشر واضح على تنامي شك القيادة في ولاء بعض الضباط بعد الاقتحام الأخير لمقر الأمن الوطني".

الأرقام والمؤشرات الداعمة

  • شهدت الأشهر الستة الأولى من 2025 أكثر من 1,000 حالة اعتقال لأسباب تتعلق بالاحتجاج أو النشاط المعارض بحسب تقارير حقوقية.
  • أجرى السيسي أكثر من 6 حركات تغييرات وزارية جزئية خلال عام واحد فقط، مع بقاء وزيري الدفاع والداخلية ضمن الثوابت حتى قرارات يوليو 2025 الأخيرة.
  • وفق بيان حكومي، تلقت وزارة الداخلية أكثر من 82,000 شكوى من المواطنين خلال النصف الأول من هذا العام، مما يشي بحالة عدم الرضا الشعبي المتزايد.

قراءة سياسية في مستقبل وزارة الداخلية ونظام السيسي

يؤكد مراقبون أن هذه الحركة ليست محاولة إصلاحية بقدر ما هي محاولة وقائية هدفها إحباط احتمالات التمرد داخل الأجهزة الأمنية نفسها، خصوصًا بعد ضرب هيبة الوزارة في واقعة المعصرة، إن استمرار السلطة في نهج القمع سيزيد الفجوة مع قطاع واسع من المجتمع، وربما يعجل بانفجار جديد يصعب السيطرة عليه في المستقبل القريب.

وتكشف حركة التنقلات الأخيرة في وزارة الداخلية المصرية عن عمق الأزمة التي تعيشها السلطة وعن حجم التحديات الداخلية التي تواجه نظام السيسي، يُنظر إليها كخطوة قمعية واستباقية جاءت خوفًا من عودة مشهد ثورة يناير بأذرع وطاقات جديدة،ش ويظل الشارع المصري وقواه الحية هو الحكم الفصل على مستقبل الاستقرار من عدمه في ظل سياسة القبضة الأمنية المتزايدة.