في خطوة أثارت تساؤلات واسعة داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية، أعلنت المملكة المتحدة، في 15 يوليو 2025، موافقتها المبدئية على ضمان قرض بقيمة 200 مليون دولار لصالح مصر، في إطار ما وصفته الحكومة البريطانية بأنه دعم لتعزيز "الاستقرار الاقتصادي" في البلاد، وبينما احتفت وسائل إعلام الانقلاب الرسمية المصرية بهذا الدعم باعتباره "شهادة ثقة دولية"، اعتبره معارضون "محاولة إنعاش مؤقتة لنظام اقتصادي فاشل يترنح تحت وطأة الديون".

وبحسب بيان السفارة البريطانية في القاهرة، فإن القرض سيتم توفيره من خلال بنوك دولية، بضمان من هيئة تمويل الصادرات البريطانية (UKEF)، ويُخصص لتعزيز الاستيراد في عدد من القطاعات الصناعية والبنية التحتية، إلا أن التفاصيل حول الشروط ومدى استفادة الشعب المصري منه ما تزال غامضة، مما يفتح باب الشكوك حول مصير الأموال التي ستضاف إلى جبل الديون المتراكمة على البلاد.

 

لماذا كل هذه القروض؟

منذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم عقب انقلاب يوليو 2013، دخلت مصر في دوامة غير مسبوقة من الاستدانة الخارجية، ووفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، فقد ارتفع الدين الخارجي من 43 مليار دولار في يونيو 2013 إلى أكثر من 172 مليار دولار في يونيو 2024 أي أن الديون تضاعفت أربع مرات خلال 11 عامًا فقط.

وتأتي هذه القروض رغم تعهد الحكومة مرارًا بأنها "لن تلجأ مجددًا إلى الاستدانة"، كما صرّح رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي في أكتوبر 2022، قائلاً إن مصر "ستركز على الاستثمار وتعزيز الإنتاج" إلا أن الواقع يعكس العكس تمامًا، حيث وقّعت مصر خلال عام 2023 وحده على قروض بأكثر من 11 مليار دولار، أبرزها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنوك خليجية وصينية.

ويُعلق الباحث الاقتصادي المعارض، الدكتور عبد الخالق فاروق، على هذا الاتجاه قائلاً: "نظام السيسي لا يملك استراتيجية تنموية، بل يعتمد على القروض كحلول ترقيعية، وفي النهاية يدفع المواطن البسيط الثمن في شكل تضخم وبطالة وتراجع في مستوى الخدمات".

ولا تخفى على المراقبين مؤشرات فشل نظام الانقلاب المصري في تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية رغم ضخ المليارات من القروض الدولية، وفقًا لتقارير دولية، تشمل مشكلات النظام الحالي:

  • ارتفاع الديون الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة، ما يعكس اعتمادًا مفرطًا على التمويلات الدولية دون خطط واضحة للإنعاش الاقتصادي المستدام.
  • استمرار مشروعات تستنزف الميزانية ولا تنعكس إيجابًا على حياة المواطنين، في ظل انتشار البطالة والتضخم الذي يتصاعد في مصر.
  • انتقادات حقوقية شديدة بشأن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وعملية إنفاق حكومية ضخمة على الأمن العسكري والأجهزة القمعية بدلًا من التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  • السياسات المالية المتبعة تدفع البلاد نحو دوامة من الاستدانة التي لا تخدم إلا إطالة أمد حكم الطغيان على حساب الكرامة الاقتصادية للشعب المصري.

 

القرض البريطاني.. دعم للشعب أم للنظام؟

يطرح هذا القرض البريطاني علامات استفهام عدة حول أهداف لندن من هذه الخطوة، خصوصًا في ظل الانتقادات المتزايدة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، ففي الوقت الذي تدّعي فيه بريطانيا دعم "الاستقرار"، يرى نشطاء ومعارضون أن هذه المساعدة تُكرّس لبقاء نظام قمعي يُتهم بانتهاك الحريات العامة، وتُغذي شبكة من الفساد الاقتصادي.

وتساءلت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير لها بتاريخ 16 يوليو 2025: "هل تُساهم المساعدات الاقتصادية في إصلاح اقتصادي حقيقي، أم أنها فقط تُبقي نظام السيسي حيًّا على أجهزة التنفس الاصطناعي الدولية؟"

كما ندد عدد من أعضاء البرلمان البريطاني، أبرزهم النائبة عن حزب العمال "كارولين لوكاس"، بما وصفته "غض الطرف عن الانتهاكات مقابل المصالح التجارية"، وأضافت في جلسة للبرلمان: "علينا أن نتساءل: هل نُموّل اقتصادًا ينهار أم نظامًا يستمر في خنق شعبه؟"

 

فشل اقتصادي واضح رغم عشرات القروض

رغم تدفق عشرات القروض والمساعدات المالية، فإن الاقتصاد المصري يُعاني من أزمات متلاحقة، فمعدل التضخم تجاوز 33 % في مطلع 2025، وهو من أعلى المعدلات في العالم، بينما فقد الجنيه المصري أكثر من 60 % من قيمته منذ مارس 2022، مع ثلاث عمليات تعويم خلال 3 أعوام فقط.

كما تراجعت الاحتياطيات الأجنبية بشكل خطير، إذ انخفضت من 45 مليار دولار في 2019 إلى أقل من 27 مليار دولار في منتصف 2024، بحسب تقارير رسمية، أما البطالة والفقر، فقد ارتفعت نسبتهما إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يُقدّر أن أكثر من 30 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

اللافت أن معظم القروض تُوجَّه لمشاريع غير إنتاجية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة والقطار الكهربائي، وهي مشروعات وصفتها المعارضة بأنها "استعراضية تخدم فئة النخبة"، بدلاً من دعم قطاعات الزراعة والصناعة والتعليم والصحة.

 

وماذا بعد القرض البريطاني؟

السؤال الملح الذي يطرحه كثيرون داخل مصر وخارجها هو: إلى متى ستواصل الدول الغربية دعم نظام يعيش على القروض، ويعجز عن تحقيق تنمية مستدامة؟ وهل هناك خطة حقيقية للخروج من الأزمة، أم أن الأمر مجرد إطالة عمر نظام ينهار ببطء؟

إن القرض البريطاني الأخير، وإن بدا على السطح دعمًا اقتصاديًا، إلا أنه ليس إلا "رشوة سياسية مغلفة"، تُمدّ في عمر نظام يُنظر إليه باعتباره استبداديًا، فاقدًا للشرعية، ويُفرغ الدولة من مقدراتها لصالح نخبة محدودة.