أثارت التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية الانقلاب بدر عبد العاطي خلال لقائه نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بمدينة العلمين يوم الاثنين 15 يوليو 2025، موجة من التساؤلات حول حقيقة العلاقات بين القاهرة والرياض، فقد أكد عبدالعاطي أن "العلاقات بين البلدين متينة وأخوية، ونرفض أي محاولات للإساءة لها عبر منصات إلكترونية غير مسؤولة"، لكن هذه اللهجة الدفاعية العنيفة كشفت أكثر مما حاولت إخفاءه.

فرغم لغة الطمأنة، بدت التصريحات وكأنها ردٌّ على توتر خفي بلغ حداً من العلن لا يمكن إنكاره، خصوصاً بعد تزايد الانتقادات المبطنة من كتاب وإعلاميين سعوديين للسياسات الاقتصادية في مصر، وتداول تقارير عن تباطؤ سعودي في ضخ استثمارات جديدة إلى القاهرة، مقابل تسريع التعامل مع الإمارات.

 

ماذا تغير في الموقف السعودي؟ من الدعم اللامحدود إلى الترقب المشروط

منذ انقلاب 3 يوليو 2013، كانت السعودية من أوائل الداعمين للسيسي، حيث قدمت مع الإمارات والكويت ما يزيد عن 25 مليار دولار كمساعدات مباشرة بين 2013 و2016، بحسب بيانات البنك المركزي المصري وتصريحات رسمية خليجية.

لكن منذ العام 2022، بدأت السعودية في اتباع نهج اقتصادي أكثر براغماتية، وطلبت من مصر أن تتحول من دولة "تتلقى مساعدات" إلى "شريك اقتصادي فعلي"، على حد تعبير ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال مقابلة مع "ذا أتلانتيك" في مارس 2022.

بل إن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أعلن بوضوح أن أي تمويل جديد يجب أن يكون في مقابل أصول، مما وضع حكومة الانقلاب المصرية في موقف تفاوضي ضعيف، خصوصاً في ظل أزمة عملة خانقة.

 

الملف الاقتصادي.. مفتاح التوتر الصامت

في نوفمبر 2023، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً أشارت فيه إلى "خيبة أمل سعودية" من إدارة السيسي للاقتصاد، وخصوصاً ما وصفته بـ"الهيمنة العسكرية على المشاريع الكبرى"، كما نقلت تقارير خليجية غير رسمية أن السعودية أوقفت أو أعادت تقييم عدد من الصفقات الاستثمارية، بينها صفقة استحواذ على أصول تابعة للبنك الأهلي وبنك مصر.

وفي مارس 2024، تم تأجيل الإعلان عن مشروع استثماري ضخم في الساحل الشمالي كان من المقرر تنفيذه بشراكة سعودية – مصرية، وسط تسريبات عن "خلافات في شروط الحوكمة والشفافية"، ورغم محاولات التعتيم الإعلامي، فإن مراقبين رأوا في ذلك علامة على فتور متزايد في العلاقة.

 

الإعلام.. ساحة الصراع غير المباشر

من اللافت أن وسائل الإعلام المقربة من نظام الانقلاب المصري بدأت، منذ بداية 2024، تروّج لنغمة "الاستقلال الاقتصادي" و"عدم الارتهان لأي طرف خارجي"، في خطاب بدا موجهاً بشكل ضمني إلى السعودية.

في المقابل، نشرت صحيفة "عكاظ" السعودية في أبريل 2024 مقالاً انتقد "الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية" في بعض الدول العربية دون تسميتها، وهو ما فهم في السياق المصري كإشارة واضحة.

هذا التراشق غير المباشر يكشف عن تحوّل في طبيعة العلاقة من حلف استراتيجي مطلق إلى علاقة مصالح مشروطة ومتوترة، ويبدو أن الإعلام لم يعد مجرّد مرآة للسياسة بل أصبح أداة ضغط متبادل بين العاصمتين.

 

الملف الإقليمي.. اختلاف في الأولويات والتكتيك

في ملفات مثل اليمن والسودان وليبيا، بدأت تظهر تباينات واضحة بين القاهرة والرياض، ففي السودان مثلاً، اتهمت تقارير صحفية سعودية غير رسمية مصر بدعم قوى معينة داخل الجيش السوداني على حساب مسار التسوية الذي كانت ترعاه السعودية والولايات المتحدة، كما عبّر مسؤولون سعوديون، في لقاءات مغلقة وفق تسريبات صحفية، عن "الاستياء من التدخلات المصرية غير المنسقة في شؤون بعض الدول الإفريقية".

أما في الملف اليمني، فقد شهد عام 2023 تجميداً واضحاً لأي تنسيق أمني بين البلدين، بعد أن أعلنت مصر انسحاباً غير معلن من العمليات البحرية المشتركة في البحر الأحمر، وهو ما قرأه بعض المحللين كنوع من الامتعاض المصري من عدم وجود مقابل سياسي أو مالي كافٍ.

 

هل نحن أمام قطيعة قريبة؟

بالرغم من محاولات الدبلوماسية المصرية التقليل من شأن ما يُتداول، فإن معالم الأزمة باتت واضحة للمتابعين، فالسعودية باتت أكثر انفتاحاً على التعامل المباشر مع الإمارات كمحور اقتصادي في المنطقة، وبدأت تظهر تباينات واضحة في مواقفها من ملفات إقليمية، ما يقلل من هامش المناورة أمام نظام الانقلاب المصري، الذي يعيش أزمة مالية خانقة في ظل ديون تتجاوز165 مليار دولار (حسب بيانات وزارة المالية المصرية حتى أبريل 2025) وعجز متصاعد في الموازنة.

القلق الحقيقي أن أي تصدع في العلاقة مع السعودية قد يعني حرمان القاهرة من شريان مالي حيوي، في وقت تراجعت فيه المساعدات الخليجية بشكل عام بعد سنوات من الإنفاق غير المشروط.

 

السيسي يخسر حلفاءه بصمت؟

يبدو أن السيسي، الذي اعتمد منذ انقلابه على الدعم الخليجي لتثبيت سلطته، بات يواجه واقعاً مختلفاً، الرياض لم تعد مستعدة لتمويل الفشل الاقتصادي بلا مساءلة، والمناخ الإقليمي يتطلب كفاءة لا شعارات، وبينما تُصرّ خارجية الانقلاب المصرية على أن العلاقات متينة، تشير كل المؤشرات إلى فتور استراتيجي حقيقي بين القاهرة والرياض، قد تكون له تداعيات خطيرة في قادم الأيام.

فهل يواصل السيسي تجاهل الإشارات السعودية؟ أم أن الانقلاب الذي بدأ بدعم خليجي سخي، قد يجد نفسه اليوم في عزلة عربية جديدة؟