مع دخول شهر يوليو كل عام، لا ينطلق فقط العام المالي الجديد في مصر، بل يتجدد الجدل حول واحدة من أكثر القضايا الشائكة في الأوساط الصحفية: أزمة «بدل التدريب والتكنولوجيا». ذلك البدل الذي وُضع في الأساس بهدف تطوير مهارات الصحفيين ومواكبة متغيرات العصر التكنولوجي، تحوّل بمرور الوقت إلى مصدر دخل ثابت، بل في كثير من الأحيان إلى شريان حياة رئيسي للعديد من الصحفيين.

ويُصرف هذا البدل شهرياً من وزارة المالية، من حصيلة الضرائب المفروضة على إعلانات الصحف، ويقتصر على أعضاء نقابة الصحفيين فقط. ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية وارتفاع كلفة المعيشة، أصبح البدل ورقة ضغط دائمة داخل النقابة، وأحد أبرز أدوات المنافسة في الانتخابات المهنية.

وفي الانتخابات الأخيرة للنقابة، فسّر البعض تأخر صرف البدل بأنه رسالة سياسية موجهة لأعضاء الجمعية العمومية الذين اختاروا النقيب الحالي خالد البلشي، المعروف بمواقفه المستقلة، على حساب مرشح النظام عبد المحسن سلامة. بينما يرى آخرون أن ما يجري قد يكون فرصة لفك الارتباط التقليدي بين النقابة والسلطة، وإنهاء علاقة التبعية المالية التي تقيد استقلال الصحافة وتضعف القرار النقابي الحر.

داخل المجموعات المغلقة للصحافيين على فيسبوك وواتساب، لا يكاد يمر يوم دون جدل محتدم حول مصير بدل التدريب والتكنولوجيا. الأسئلة تتكرر بلا إجابة: متى سيتم الصرف؟ هل هناك نية لزيادة المبلغ؟ ولماذا يلتزم مجلس النقابة هذا الصمت المطبق؟ البعض حاول الاستفسار من أعضاء المجلس دون جدوى، فيما لجأ آخرون لمحاولة اقتناص أي تسريب من محرري وزارة المالية. وسط هذا الترقب، لم يسلم حتى شعار النقيب "ما زال في الحلم بقية" من السخرية، بعدما شبّه البعض المجلس وكأنه يعيش في حلم وردي بعيد عن واقع المهنة المتدهور.

الرد الرسمي جاء باهتًا، من خلال بيان مقتضب يُرجع التأخير إلى "إجراءات روتينية خاصة بالموازنة"، دون أي إشارة لزيادة في القيمة. وفي حين حصل الصحفيون بالصحف القومية على البدل بالفعل ولكن بالقيمة نفسها، اقتصر تعليق النقابة على تصريحات فردية لأعضاء المجلس، تراوحت بين الحديث عن "تعاون وزير المالية" وبين تحديد موعد صرف البدل للصحف الخاصة والحزبية.

ويبقى الخلاف قائمًا حول توصيف البدل: هل هو حق قانوني، أم مجرد مكافأة سياسية؟ البعض يرى أنه أداة تستخدمها السلطة للسيطرة على الجسم الصحفي وتخفيف موجات الغضب، بينما يعتبره آخرون مسألة بقاء اقتصادي، بعدما أصبح مصدر الدخل الأساسي لمعظم الصحافيين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

دراسة ميدانية أطلقها نقيب الصحافيين كشفت أن 72% من الصحافيين يعيشون بأقل من الحد الأدنى للأجور المحدد بـ6000 جنيه (120 دولارًا)، بينما يعيش 40% بأقل من نصف هذا الحد. كما أظهرت أن 65.5% يعتمدون على أعمال إضافية، من بينها مهن لا تمت للصحافة بصلة.

بدأ البدل في عهد الرئيس أنور السادات بقيمة عشرة جنيهات فقط، ومنذ ذلك الحين، تطوّر تدريجيًا مع مرور السنوات. أبرز المحطات كانت:

  • 2013: زيادة بنسبة 20% في عهد النقيب ضياء رشوان.
  • 2014: زيادة بنسبة 31.1% رفعت البدل إلى 1200 جنيه.
  • 2015: زيادة أخرى قبيل الانتخابات رفعت المبلغ إلى 1380 جنيهًا للصحف الخاصة.
  • 2017: زيادة بأثر رجعي بقيمة 290-300 جنيه.
  • 2019: زيادة بنسبة 25% ليصل البدل إلى 2100 جنيه.
  • 2021: زيادة بنسبة 20% ليبلغ 2520 جنيهًا.
  • 2022: زيادة بأثر رجعي بـ480 جنيهًا.
  • 2023: زيادتان، الأولى في مارس (600 جنيه)، والثانية في سبتمبر (300 جنيه)، ليصل المجموع إلى 3900 جنيه.

أما الزيادة التي وعد بها خالد البلشي أخيراً، فتراوح بين 25% و30%، إلا أنها لم تُنفذ حتى الآن، ما زاد منسوب الغضب داخل الوسط الصحافي.

قضائيًا، أكدت المحكمة الإدارية العليا أن بدل التدريب والتكنولوجيا "حق مُكتسب" وليس "منحة" تُمنح بمزاجية السلطة، ما وفر للنقابة غطاءً قانونيًا في مفاوضاتها مع الحكومة. لكن الواقع العملي يُظهر أن هذا الحق ما زال رهينة للضغوط السياسية والحسابات الحكومية، في ظل مناخ خانق يحيط بالعمل الصحفي في مصر.

لم يعد البدل مجرد مبلغ مالي يُضاف لراتب الصحفي، بل تحوّل إلى مرآة تعكس علاقة الدولة بالمهنة، ومؤشر على تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع يعيش أزمات مزمنة. وفي المقابل، يكشف الجدل المستمر حول البدل عن اختلال الأولويات داخل النقابة، حيث تحولت قيمة مالية محدودة لا تكفي حتى لأدنى متطلبات التدريب الحقيقي، إلى المعركة الرئيسية، بينما تتراجع قضايا الحريات المهنية إلى الخلفية.

فالصحافة في مصر تمر بأزمة وجود حقيقية، تتجاوز أزمة الأجور. أرقام نقابة الصحفيين تشير إلى وجود 20 صحفيًا في السجون، 16 منهم تجاوزوا عامين في الحبس الاحتياطي، إلى جانب أربعة صدرت ضدهم أحكام نهائية. أما منظمات حقوق الإنسان فتُقدّر عدد الصحفيين المحبوسين على خلفيات سياسية حتى نهاية 2024 بنحو 43 صحفيًا.

حتى خارج أسوار السجون، لا تقل المعاناة. تقرير "المرصد المصري للصحافة والإعلام" رصد خلال عام واحد فقط 781 انتهاكًا ضد الصحفيين، ما يؤكد أن بدل التدريب، أياً كانت قيمته، لا يمكنه أن يعوّض غياب الحريات ولا أن يخفف من الأثمان الباهظة التي يدفعها الصحفيون في مصر.