استهدفت غارات إسرائيلية فجر اليوم الخميس قاعدة عسكرية للجيش السوري في ريف محافظة اللاذقية غربي البلاد، فيما شهدت العاصمة دمشق ومناطق متفرقة من الجنوب السوري، خاصة السويداء ودرعا، ضربات جوية عنيفة، وتهديدات إسرائيلية صريحة بردّ "موجع"، بالتزامن مع انسحاب القوات السورية من محافظة السويداء بموجب اتفاق أمني مع وجهاء الطائفة الدرزية، لتدخل البلاد مرحلة بالغة الحساسية قد تعيد رسم خارطتها السياسية والأمنية.

 

قصف في عمق اللاذقية.. اللواء 107 هدف متكرر
هزّت سلسلة انفجارات عنيفة فجر اليوم قاعدة عسكرية تابعة للواء 107 في قرية "زاما" جنوب مدينة جبلة في محافظة اللاذقية، يُعتقد أنها ناتجة عن قصف إسرائيلي مباشر، هو الثاني خلال أقل من أسبوع. ووفقاً لمصادر محلية، أعقبت الانفجارات حرائق ضخمة داخل القاعدة، المعروفة باحتوائها على صواريخ أرض-أرض وأرض-بحر، ما يرجح طبيعة الهجوم ودقته.

نور الدين بريمو، مسؤول العلاقات الإعلامية في محافظة اللاذقية، أكد في تصريح مقتضب أن "الانفجارات ناتجة عن قصف يُرجّح أنه إسرائيلي"، دون الخوض في تفاصيل عدد الضحايا أو الخسائر المادية.

 

قصف على دمشق والقصر الرئاسي.. رسائل بالنار
ولم تقتصر العمليات العسكرية الإسرائيلية على اللاذقية، إذ شنت مقاتلات الاحتلال، مساء الأربعاء، غارات مركزة استهدفت العاصمة دمشق، بما في ذلك مبنى هيئة الأركان، مقر وزارة الدفاع، ومحيط القصر الرئاسي، وهي مناطق حساسة تمثل رموز السيادة السورية.

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس صرح بعد الضربات بأن "رسائل التحذير انتهت، والمرحلة القادمة ستكون مليئة بالضربات الموجعة"، في إشارة إلى نية تل أبيب فرض خطوط حمراء جديدة في العمق السوري، بذريعة "حماية الدروز" جنوب البلاد.

 

السويداء.. اتفاق هش تحت النار
في تطور متزامن، أعلنت وزارة الدفاع السورية التوصل إلى اتفاق مع وجهاء ومشايخ الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، تضمن انسحاب القوات الحكومية بعد انتهاء ما وصفته بـ"تمشيط المدينة من المجموعات الخارجة عن القانون".

وشملت بنود الاتفاق تشكيل لجنة رقابة مشتركة، وحظر مصادرة الممتلكات، وتكليف عناصر من أبناء المحافظة في المهام الأمنية، وتفعيل مؤسسات الدولة، وإطلاق سراح المعتقلين.

الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ عقل الدروز، حذر في بيان حازم من التعامل مع "العصابات المسلحة"، مؤكداً أنه لا تفويض إلا للدولة. من جانبه، أكد الشيخ يوسف جربوع، أحد القيادات الدينية الدرزية، رفضه القاطع لأي طلب حماية من إسرائيل أو غيرها، قائلاً: "دولتنا السورية هي مصدر الأمن والأمان".

 

الرئيس الشرع: لا نخشى الحرب.. لكن اخترنا حماية الوطن
في كلمة متلفزة عقب ساعات من القصف، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع أن بلاده كانت أمام خيارين: الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل، أو تغليب مصلحة السوريين، فاختارت الأخيرة لتجنب الفوضى والدمار. وأكد أن الدولة السورية "لن تكون ساحة للفوضى أو للتقسيم"، مشدداً على أن الدروز "جزء أصيل من نسيج الوطن" وأن حماية حقوقهم "أولوية للدولة".

وأضاف الشرع أن التدخلات الإسرائيلية تهدف إلى "تفكيك وحدة البلاد وإشعال الفتن الطائفية"، متوعداً بـ"محاسبة كل من تجاوز وأساء إلى أبناء السويداء".

 

دور تركي ووساطات متعددة
من جانبه، حذّر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تنظيم "واي بي جي" من استغلال الفوضى في سورية، داعياً إلى "دور بنّاء لا يزيد تعقيد المشهد"، ما يعكس قلقاً إقليمياً من انفجار الساحة السورية مجدداً.

وأشارت مصادر سياسية إلى أن الوساطة التركية، إلى جانب وساطات أميركية وعربية، كانت حاسمة في تهدئة الوضع في السويداء ومنع التصعيد، لا سيما في ظل تعقّد الحسابات الدولية وتقاطعات الأجندات بين واشنطن وتل أبيب.

 

صمت أميركي ثم ارتباك.. واشنطن تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف
بعد صمت دام ثلاثة أيام، دخلت الإدارة الأميركية على خط الأزمة، مطالبة دمشق بسحب قواتها من السويداء، وتحدثت بشكل فضفاض عن "حماية الأقليات" دون توجيه انتقاد مباشر لإسرائيل.

ورأت دوائر إعلامية وسياسية أن البيت الأبيض غضّ الطرف عن التصعيد الإسرائيلي بهدف "تسريع خطوات التطبيع"، أو ربما لإبقاء مفاتيح الضغط على دمشق في يد نتنياهو.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لمح إلى "القلق من التصعيد" ودعا لوقف القتال، فيما وصفت المتحدثة باسم الخارجية، تامي بروس، الاشتباكات بأنها "نزاعات قبلية مزمنة"، في محاولة للتهوين من عمق الأزمة.

 

رسائل ومخاوف: ماذا وراء التصعيد؟
يرجّح مراقبون أن تكون إسرائيل قد أرادت من خلال القصف توصيل رسائل سياسية بعد فشل لقاء سري عقد في 12 يوليو في العاصمة الأذرية باكو، بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، حيث لم تسفر المفاوضات عن اختراق في ملف التطبيع أو الوجود الإسرائيلي في سورية.

في هذا السياق، قال الخبير السياسي مأمون فندي إن "الضربات لم تعد مجرد رسائل أمنية، بل تبدو كجزء من نظرية تفريغ النظام، تمهيدًا لشفط قوى جديدة تأخذ مكانه"، واصفاً ما يجري بأنه "هندسة هادئة لنظام بديل".
https://x.com/mamoun1234/status/1945530886826361066

 

السويداء تحت الحصار: قافلة طبية ممنوعة من الدخول
قال وزير الصحة السوري، مصعب العلي، إن "الطيران الإسرائيلي أعاق دخول قافلة طبية إلى السويداء"، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المحافظة، في ظل غياب الخدمات الأساسية وموجات النزوح الداخلي.

 

أمل أم سراب؟
من جانبه، أعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، عن أمله في "تهدئة حقيقية" بمحافظة السويداء، محذراً من أعمال عنف ضد المدنيين والتمثيل بالجثث، ومطالباً بـ"أسس للتوافق السياسي الذي يحمي وحدة البلاد وتنوعها".