أعاد برلمان عبدالفتاح السيسي، فتح واحد من أكثر الملفات الشائكة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، بعد أن أقرّ تعديلات جوهرية على قانون الإيجار القديم رقم 136 لسنة 1981، في خطوة وصفت بـ"التاريخية"، لكنها في الوقت ذاته فجرت جدلاً واسعاً، وانقساماً حاداً بين الملاك والمستأجرين، وسط ترقّب لما ستحمله الأيام المقبلة من تداعيات.
فبينما ينتظر الملاك بفارغ الصبر تصديق عبد الفتاح السيسي على القانون خلال أيام، يرى المستأجرون أن التشريع الجديد يهدد استقرارهم الاجتماعي والمعيشي، وقد يدفع بآلاف الأسر إلى مصير مجهول، في وقت تشهد فيه البلاد أزمات اقتصادية متلاحقة.
تشريح التعديلات
أبرز ما جاء في القانون الجديد
- إنهاء عقود الإيجار السكني خلال سبع سنوات من تطبيق القانون.
- إنهاء عقود الإيجار غير السكني خلال خمس سنوات.
- تقسيم المناطق إلى متميزة، ومتوسطة، واقتصادية لتحديد القيمة الإيجارية.
- رفع القيمة الإيجارية 20 ضعفًا للوحدات المتميزة (بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا)، و10 أضعاف في المناطق الأخرى.
- إخلاء الوحدة إذا بقيت مغلقة أكثر من عام، أو إذا امتلك المستأجر وحدة سكنية بديلة.
- إلغاء كافة قوانين الإيجار القديمة بعد سبع سنوات من سريان القانون الجديد.
ووفقًا لتعداد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017، فإن القانون سيمس بشكل مباشر أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية، يسكنها نحو 1.6 مليون أسرة، أي ما يزيد عن 6 ملايين نسمة، يمثلون حوالي 6.5% من السكان.
من هم الرابحون؟
- الملاك: يُعد الملاك الطرف الأكثر استفادة من التعديلات، بعد سنوات طويلة من تجميد العوائد العقارية. ويعتبر كثير منهم القانون الجديد "إعادة اعتبار قانوني ومالي"، بعد أن عاشوا لعقود في ظل قانون مجحف جمّد ممتلكاتهم وأفقدها قيمتها السوقية.
رئيس ائتلاف مُلاك الإيجارات القديمة، مصطفى عبد الرحمن عطية، وصف القانون بأنه "انتصار للعدالة"، مؤكدًا أن المهلة الانتقالية كافية لتوفيق الأوضاع.
- الحكومة: ترى الحكومة أن القانون الجديد يصحح تشوهًا تاريخيًا في العلاقة الإيجارية، ويسهم في تحريك السوق العقاري، ويمنح دفعة جديدة للاستثمار العقاري والعدالة الاجتماعية، كما أنه يأتي تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية الذي قضى بعدم دستورية تثبيت الأجرة.
ومن هم الخاسرون؟
-
المستأجرون: الفريق الأكثر قلقًا من هذه التعديلات، حيث يخشى كثيرون من الطرد الفعلي من مساكنهم بعد انتهاء الفترة الانتقالية، دون توفر بدائل حقيقية بأسعار معقولة.
ميشيل حليم، المستشار القانوني لرابطة المستأجرين، أعلن نية الرابطة تقديم طعن أمام المحكمة الدستورية لبطلان القانون، مؤكدًا أن التشريع الجديد لم يحقق التوازن المنشود، وفيه "ظلم بيّن وضياع للحقوق".
- الفئات الأولى بالرعاية: رغم إعلان الحكومة نيتها توفير مساكن بديلة لمن يستحق، فإن التشكيك في قدرة الدولة على تنفيذ هذه الوعود حاضر بقوة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكلفة البناء وتآكل الدعم الحكومي.
تقاطع سياسي واجتماعي
النائب فريدي البياضي، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، عبّر عن رفض حزبه للتعديلات، واصفًا القانون بأنه "قنبلة لهب اجتماعية" تهدد ملايين المصريين، وانتقد التسرع في إقرار القانون دون طرحه للنقاش المجتمعي الكافي.
وقال البياضي: "القانون لا يلزم الحكومة بتوفير البدائل، ولا يمنح المستأجر حماية حقيقية، بل إنه يُخرج فئات ضعيفة من المعادلة العقارية بشكل تعسفي، في وقت لا تملك فيه الدولة القدرة على التعويض".
كما طالب بخطة واقعية تجمع بين رفع الإيجار تدريجيًا وتدخل الدولة بدفع الفارق، بما يحقق توازنًا حقيقيًا بين الحقوق والواجبات.
القانون بين المرافعة والواقع
منذ مطالبة عبدالفتاح السيسي في أكتوبر 2023 بإصلاح تشريعي جذري لقانون الإيجار القديم، بدأت العجلة تدور بوتيرة سريعة. ثم جاء حكم المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2024، ليؤكد عدم دستورية تثبيت الأجرة، ما أجبر البرلمان على التحرك قبل انقضاء مهلة المحكمة.
مخاوف مستقبلية وتطمينات حكومية
تحاول الحكومة تهدئة المخاوف، مؤكدة أنها لن تسمح بتشريد أي مواطن، وأنها بصدد إعداد خطة لتوفير مساكن بديلة للفئات غير القادرة. كما شددت على أن القانون ليس أداة للربح، بل وسيلة لتحقيق "العدالة السكنية".
لكن يبقى الشك قائما، خاصة مع ضعف آليات التنفيذ التاريخية، ومع تجارب سابقة في برامج الإسكان لم تنجح في الوصول إلى الفئات المستحقة.