كشفت هيئة الرقابة الإدارية، في بيان رسمي صدر أمس الأربعاء، عن واقعة خطيرة تتعلق بانتحال أشخاص صفة الهيئة ومحاولتهم التواصل مع مسؤولين بارزين وأعضاء بالمجالس النيابية لجمع معلومات وبيانات حولهم وحول جهات عملهم.

وأوضحت الهيئة، التابعة لرئاسة الجمهورية ذات الطابع شبه العسكري، أن هذه الممارسات تمثل "محاولات تضليل وابتزاز" تستهدف تقويض مؤسسات الدولة، مشددة على أنها تتابع هذه الوقائع بكل جدية. ونقل "العربي الجديد" عن مصدر مسؤول بالهيئة قوله إن التحقيقات الداخلية كشفت عن مؤشرات مقلقة، ترجّح وجود صلة محتملة لأجهزة استخبارات أجنبية معادية بهذه الأنشطة، في إطار تحركات تجسسية منظمة تستهدف التأثير على مفاصل الدولة المصرية.

وأكد البيان الصادر عن المركز الإعلامي للهيئة أن الفترات الأخيرة شهدت تكرار محاولات تواصل مريبة عبر أرقام وصفحات مجهولة مع مسؤولين تنفيذيين وأعضاء في مجلس النواب والشيوخ، ينتحل أصحابها صفة الهيئة بهدف الحصول على معلومات حساسة متعلقة بطبيعة العمل داخل مؤسسات رسمية.

 

تجسس دول معادية

أكدت هيئة الرقابة الإدارية أن هذه الأرقام والحسابات "لا تمت لها بأي صلة من قريب أو بعيد"، مشددة على أن ما حدث يُعد انتحالًا صريحًا للصفة ومخالفة صريحة للقانون، وأوضحت الهيئة أن جميع تعاملاتها تتم حصريًا عبر قنواتها الرسمية المعروفة، وفي نطاق صلاحيات قانونية تضمن أعلى معايير الشفافية والوضوح.

وكشف مصدر مسؤول بالهيئة أن طبيعة المعلومات التي حاولت هذه الأطراف الوصول إليها، مع التركيز على شخصيات بمواقع قيادية وحساسة، تشير إلى احتمالات قوية بوجود تورط لجهات أجنبية معادية، تحاول التغلغل داخل البنية الإدارية والأمنية للدولة المصرية، وفقًا لـ"العربي الجديد".

قال المصدر: "الأمر لا يقتصر على انتحال صفة بغرض النصب أو الابتزاز، بل نتعامل مع نمط معقّد من الأنشطة المشبوهة، يُحتمل أن تكون وراءه دوافع تجسسية تتجاوز الأهداف الفردية أو الجرائم التقليدية، وهو ما يرفع الأمر إلى مستوى تهديد للأمن القومي، لذلك لا تزال التحقيقات جارية".

وأوضح أن رصد الهيئة أظهر تكرار لأساليب تواصل متطابقة، ما يعزز فرضية وجود جهة منظمة تقف خلف تلك التحركات، وليست مجرد محاولات فردية. وأشار إلى احتمالات قوية بوقوف أجهزة مخابرات معادية أو شبكات إلكترونية تابعة لها وراء تلك الأنشطة، مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة وانتشار تطبيقات الاتصال المشفرة.

وأضاف المصدر أن التتبع كشف عن استهداف متعمد لموظفين ومسؤولين يتولون ملفات سيادية واقتصادية حساسة، إلى جانب بعض النواب المعروفين بمواقفهم الرقابية الحادة وطرحهم لقضايا تتعلق بالفساد. وأردف: "هذا الاستهداف لا يمكن فصله عن التغيرات الإقليمية والدولية، ويدخل ضمن أدوات ما يُعرف بحروب الجيل الخامس التي تستخدم المعلومات كسلاح لإضعاف الدول من الداخل". وأكد أن الهيئة تتعامل مع تلك المحاولات بأعلى درجات الحذر، وبالتنسيق الكامل مع أجهزة الأمن القومي لقطع الطريق أمام أي محاولة لاختراق المنظومة الإدارية للدولة.

وفي ختام بيانها، دعت هيئة الرقابة الإدارية جميع المواطنين ومسؤولي الدولة إلى عدم الاستجابة لأي اتصالات أو رسائل مشبوهة تنتحل اسم الهيئة، مع ضرورة الإبلاغ الفوري عبر القنوات الرسمية المخصصة لذلك، وتشمل الخط الساخن 16100، أو من خلال الموقع الإلكتروني الرسمي www.aca.gov.eg، بالإضافة إلى الحسابات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

هجمات استباقية ناعمة

وبحسب متابعين، لا يُعد هذا البيان مجرد تنويه روتيني حول انتحال الصفة، بل يعكس قلقًا متزايدًا لدى مؤسسات الدولة من مخاطر حقيقية تتعلق بهجمات إلكترونية وتجسسية منظمة قد تكون جارية بالفعل، كما حدث في بعض الدول الإقليمية مثل إيران ولبنان. ويرى خبراء أن الربط بين استهداف مسؤولين محددين بهذه المحاولات، يستدعي مراجعة شاملة لأنظمة حماية المعلومات، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على الوسائط الرقمية في التواصل الرسمي داخل مؤسسات الدولة.

وفي وقت تشهد فيه مصر تحديات سياسية واقتصادية وأمنية متداخلة، تبدو مثل هذه المحاولات أشبه بـ"هجمات استباقية ناعمة"، تسعى لتفكيك شبكات الثقة داخل الجهاز الإداري، وإرباك العلاقة بين السلطة الرقابية والتنفيذية، تمهيدًا لإضعاف قدرة الدولة على التصدي للفساد والاختراق.

الجدير بالذكر أن هيئة الرقابة الإدارية هي إحدى الهيئات المستقلة المنوط بها مكافحة الفساد في مصر، ولها صلاحيات موسعة في التحقيق والتفتيش ومتابعة أداء المسؤولين في مؤسسات الدولة، مما يجعل من استغلال اسمها في عمليات مشبوهة أمرًا بالغ الخطورة.

 

تجسس السيسي على المصريين

وفي يناير الماضي، وافق برلمان السيسي على 41 مادة من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، من دون أن يدخل تعديلات عليها، إثر رفض الأغلبية جميع التعديلات المقدمة من الأعضاء بشأنها. وأقر المجلس المادة الـ79 من مشروع القانون، التي أجازت لعضو النيابة العامة "بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي، أن يصدر أمرًا بضبط جميع الخطابات والرسائل والبرقيات والجرائد والمطبوعات والطرود".

 

التجسس على مواقع التواصل

وأجازت المادة لعضو النيابة العامة أن "يأمر بمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة أو أية وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها، وتسجيلات الأحاديث التي جرت في مكان خاص، متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر".