بعد مرور 21 شهرًا على الحرب، طرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، مبادرة جديدة تقضي بإجبار جميع الفلسطينيين في غزة على الانتقال إلى "معسكر" يقام على أنقاض مدينة رفح، وفقًا لما نقلته صحيفة الجارديان.
وقالت الكاتبة نور أبو عيشة: "كنت أعيش غرب مدينة غزة، على بُعد خمس دقائق فقط من الشاطئ. اعتدت مشاهدة الأمواج من سطح منزلنا. كانت المنطقة جميلة، تضج بالهندسة المعمارية الفاخرة والفنادق والمنتجعات السياحية.
منذ اندلاع الحرب، تنقّلت بين شمال المدينة وغربها وشرقها. لم نستطع الاستقرار في مكان واحد، لأن الاجتياحات البرية الإسرائيلية كانت تتنقل من منطقة إلى أخرى. لاحقًا، أطلقت إسرائيل على هذه المناطق اسم "شمال غزة"، في إطار سياسة الفصل العنصري التي تقسم القطاع إلى شمال وجنوب وتتعامل مع كل جزء بشكل مختلف.
مع بداية الحرب، ألقت الطائرات منشورات تطالب بالإخلاء: "يجب عليكم التوجه جنوب الوادي، أنتم في منطقة قتال خطرة". والدي قال لي ولإخوتي إن هذه المنشورات ليست سوى خطة تهجير. الجنوب لم يكن آمنًا، وقررنا البقاء في الشمال.
قبل 7 أكتوبر، كانت حرية التنقل بين شمال غزة وجنوبها متاحة دون قيود، وهو ما ميّز القطاع عن الضفة الغربية. لكن عندما رفض عدد كبير من الناس الانصياع للأوامر الإسرائيلية، أقامت قوات الاحتلال حاجزًا بين الشمال والجنوب. قالت إسرائيل إن من يبحث عن الطعام عليه الذهاب إلى الجنوب، دون أمل في العودة. بهذه الطريقة، فرضت سياسة التجويع كأداة تهجير. من لم يتحمل الجوع، اضطر للمغادرة. أما نحن، فتمسّكنا بموقفنا ولم نرضخ.
في رمضان الماضي، تعرّضت للتسمم. لم يكن في الأسواق إلا الأعشاب، بينما كانت البضائع متوافرة في الجنوب. كنا ننهار من الجوع، ومرهقين من التنقل القسري.
أقارب لنا لجأوا إلى الجنوب أخبرونا أنه آمن. لكن بعد اجتياح إسرائيل لرفح وتدميرها وقتل عدد كبير من سكانها، اضطرّ هؤلاء للفرار مجددًا إلى وسط القطاع، حيث يعيشون الآن على الطرقات في خيام ممزقة. لم يتمكنوا من العودة إلى الشمال، إذ إن حاجز "نتساريم" يمنع عبورهم. شاب يُدعى عمر معروف، عمره 22 عامًا، قرر العودة شمالًا عبر الحاجز، ولا نعلم ما حلّ به حتى الآن. هل قُتل؟
لاحقًا، توقفت المساعدات. تعرضنا للقصف والتجويع في كل مكان. أحيانًا، كنا نُستهدف أثناء انتظارنا للطعام القليل الذي يُسمح بدخوله. الوزير الإسرائيلي قال إن رفح ستتحول إلى "مدينة إنسانية"، لكن لا أحد في غزة يصدق هذه المزاعم.
سألت جدي، الذي كان في الرابعة من عمره أثناء نكبة عام 1948، عن مغزى هذه الخطة. قلت له: "هل هذا معسكر داخل معسكر؟". أجاب: "لا جدوى من الذهاب هناك. نحن بالفعل في سجن بأبواب مغلقة". الموت سيظل يحيط بغزة ما دامت تحت الاحتلال.
الدول العربية المجاورة رفضت استقبالنا، وعلى رأسها مصر، التي لا تسمح بدخول سكان غزة إلا كمرضى، وترفض منحهم الإقامة.
يرى كثيرون في غزة أن هذه الخطة الإسرائيلية ليست سوى ورقة ضغط على حماس، في محاولة لإجبارها على التنازل عن مطلب الانسحاب من محور موراج – الممر الأمني الإسرائيلي الذي يربط رفح بخان يونس.
اليوم، ينتظر الناس هدنة جديدة ببطون خاوية. كثير من الشبان توقفوا عن الاصطفاف للحصول على المساعدات، على أمل أن تقترب الهدنة ولا داعي للمخاطرة بحياتهم. حتى إن كانت الهدنة لمدة 60 يومًا فقط، فهي تمثل الفرصة الوحيدة لالتقاط الأنفاس. لا أحد يعرف ما الذي سيحدث إذا فشلت المفاوضات. هذه الهدنة تمثل أملنا الأخير لنعيش، ولو مؤقتًا، بسلام.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/14/gaza-israel-camp-attacks-rafah-hamas