تساؤلات عديدة أثارها مجلس النواب حول التأثيرات المحتملة على أسعار السلع والخدمات المختلفة، بعد إقراره للتعديلات الجديدة على قانون ضريبة القيمة المضافة، شملت قطاعات متعددة مثل المقاولات والسجائر والمشروبات الكحولية، مع استحداث ضريبة على البترول الخام لأول مرة.
وفي أعقاب إقرار التعديلات، أوضحت مصلحة الضرائب أن هذه التغييرات تندرج ضمن إصلاحات محدودة تستهدف توسيع القاعدة الضريبية وتصحيح بعض التشوهات في النظام الضريبي، بهدف تعزيز القدرة على تمويل برامج التنمية البشرية وزيادة الإنفاق عليها.
وأشارت المصلحة، في بيان رسمي، إلى أن التعديلات لا تمس الإعفاءات الضريبية المقررة للسلع الأساسية، ولا للخدمات الصحية والتعليمية. كما أكدت أن فرض ضريبة جدول بنسبة 10% على البترول الخام، بدلًا من اقتصارها على المنتجات البترولية، لن يؤدي إلى أي زيادات إضافية في أسعار الوقود والمنتجات البترولية المطروحة في السوق المحلي.
ما علاقة صندوق النقد بالتعديلات الضريبية؟
تأتي هذه التعديلات الضريبية بعد أسابيع قليلة من إعلان صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، الانتهاء من المراجعة الخامسة لبرنامج التمويل المصري البالغة قيمته 8 مليارات دولار، والذي تم توقيعه في مارس 2024. ومع ذلك، أوضح الصندوق أن مراجعة السياسات الاقتصادية المتبقية ستستكمل لاحقًا.
وأكد الصندوق، الأسبوع الماضي، عزمه دمج المراجعتين الخامسة والسادسة في مراجعة واحدة خلال خريف هذا العام، لإتاحة مزيد من الوقت أمام حكومة السيسي لتحقيق الأهداف الرئيسية المرتبطة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وأوضحت المتحدثة باسم الصندوق، جولي كوزاك، في مؤتمر صحفي دوري، أن النقاشات لا تزال جارية مع حكومة السيسي حول استكمال الإجراءات الجوهرية، لا سيما ما يتعلق بإعادة هيكلة دور الدولة في الاقتصاد.
قرار دمج المراجعتين يعني عمليًا تأجيل صرف الدفعة المالية التالية لمصر لمدة قد تصل إلى 6 أشهر، بينما شددت كوزاك على أنه من المبكر الحديث عن حجم المبالغ المتوقع صرفها بعد استكمال المراجعة المزدوجة.
تعديلات تحت المجهر الضريبي
تأتي التعديلات التي أقرها مجلس النواب في إطار التوجه الحكومي لتعزيز موارد ضريبة القيمة المضافة، من خلال توسيع نطاق تطبيقها وضم قطاعات وسلع كانت معفاة سابقًا، تماشيًا مع التوصيات الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
وفي تصريحات سابقة لـ"الجزيرة نت"، كشف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فخري الفقي، أن التعديلات تستهدف مراجعة قائمة الإعفاءات الضريبية التي تشمل نحو 57 سلعة وخدمة، بهدف زيادة الإيرادات الضريبية. وأوضح الفقي أن هذه المراجعة ترتبط بمتغيرات اقتصادية جديدة، مشيرًا إلى أن بعض الإعفاءات أُقرت في ظروف مختلفة لم تعد قائمة اليوم.
كم ستضخ التعديلات الجديدة في خزينة الدولة؟
تُقدّر التعديلات الأخيرة على قانون ضريبة القيمة المضافة بزيادة كبيرة في الإيرادات الحكومية عبر عدة محاور:
- رفع أسعار السجائر المحلية والمستوردة بنسبة 23%، والمشروبات الكحولية بنسبة 15%.
- إخضاع أنشطة المقاولات والتشييد والبناء للسعر العام للضريبة عند 14% بدلًا من 5%.
- فرض ضريبة جديدة على البترول الخام بنسبة 10%.
ووفق ما أعلنه ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فإن هذه التعديلات تستهدف رفع الحصيلة الضريبية بنحو 105 مليارات جنيه (ما يعادل 2.1 مليار دولار).
الضرائب تفاقم الأعباء
من جانبه، حذّر الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة، من أن الدولة تتوسع في "الجباية" عبر الضرائب غير المباشرة، محذرًا من آثار تضخمية مباشرة على المواطن. وأوضح أن الضرائب تمثل أكثر من 80% من إيرادات الدولة، ومع ذهاب 64% من الموازنة لسداد فوائد الديون، بات العجز يُغطى من جيوب المواطنين.
خزيم أشار إلى أن الضرائب الجديدة، لا سيما على قطاع المقاولات، قد تؤدي إلى مزيد من الارتفاع في أسعار العقارات والخدمات الأساسية.
أرقام الموازنة للعام المالي 2025/2026:
- الإيرادات الضريبية المتوقعة: 2.6 تريليون جنيه (52.78 مليار دولار) تمثل 83.4% من إجمالي الإيرادات.
- ضريبة السلع والخدمات سترتفع 34.4% لتصل إلى 1.103 تريليون جنيه (22.39 مليار دولار).
- ضريبة القيمة المضافة وحدها مرشحة للزيادة 55.3% لتسجل 640.4 مليار جنيه (13 مليار دولار).
النتيجة المتوقعة: المواطن في مواجهة موجة جديدة من ارتفاع الأسعار في مختلف القطاعات.
رؤية اقتصادية للتعديلات الأخيرة
ترى الخبيرة المصرفية سحر الدماطي أن التعديلات على ضريبة القيمة المضافة لم تكن خيارًا بقدر ما كانت "إجراءً حتميًا" لسد العجز المتزايد في الموازنة العامة، لا سيما في ظل فشل دمج شريحة واسعة من الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الضريبية حتى الآن.
وفي تصريحاتها لـ"الجزيرة نت"، أوضحت الدماطي أن اعتماد الحكومة على ضريبة القيمة المضافة كمصدر رئيسي للإيرادات يعود لغياب بدائل حقيقية لتمويل النفقات المتزايدة، قائلة: “الخيارات محدودة، والعجز يفرض هذه التوجهات”.
لكنها في الوقت ذاته حذرت من التأثيرات السلبية على المستهلكين، معتبرة أن المواطن سيكون الحلقة الأضعف ويتحمل العبء الأكبر من هذه السياسات المالية.
الدماطي نبهت أيضًا إلى خطورة تضخم بند فوائد الديون داخل الموازنة، الأمر الذي يدفع الحكومة لرفع الضرائب بشكل مستمر، مطالبة في المقابل بضرورة توسيع القاعدة الضريبية ودمج الاقتصاد الموازي كخيار أكثر عدالة وكفاءة في معالجة أزمات الإيرادات.