سلّط معهد تشاتام هاوس الضوء في ورقة بحثية حديثة على التوسع المتزايد في استخدام العقوبات كأداة في السياسة الخارجية، مع ازدياد التساؤلات حول فعاليتها، آثارها غير المقصودة، وتبعاتها الجيوسياسية والإنسانية.

ازدادت العقوبات الأحادية، التي تُفرض خارج مظلة الأمم المتحدة، وتنوعت أشكالها بين تجميد أصول، وحظر سفر، وقيود تجارية على الاستيراد والتصدير. استخدمت هذه التدابير من جانب الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا بشكل متزايد، مع تفاوت الأهداف بين الضغط السياسي، والدفاع عن حقوق الإنسان، والتصدي للإرهاب، أو حتى لأغراض اقتصادية بحتة.

يشير التقرير إلى أن هذه العقوبات تختلف جذريًا عن العقوبات التي يصدرها مجلس الأمن، لأنها لا تستند إلى توافق دولي، وتفتقر أحيانًا للوضوح القانوني. ورغم ذلك، تؤثر هذه العقوبات على النظام العالمي المالي، وعلى آليات الحوكمة الدولية، كاستخدام الدولار ونظام SWIFT.

أبرز التقرير أن العقوبات تُستخدم في ظل أهداف غير متناسقة أو مبالغ فيها، ما يعرقل تقييم فعاليتها. أحيانًا تُفرض العقوبات بهدف تغيير الأنظمة أو وقف الحروب أو الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن هذه الأهداف غالبًا لا تتحقق أو يصعب قياس مدى تحققها. علاوة على ذلك، تساهم العقوبات أحيانًا في تقوية الأنظمة التي تستهدفها، عبر تركيز السلطة الاقتصادية في يد الدولة وحلفائها.

أثار التقرير مخاوف بشأن الأثر الإنساني للعقوبات، خاصة في الدول التي تعاني من نزاعات مسلحة أو أزمات اقتصادية. في حالات كثيرة، تعيق العقوبات وصول المساعدات الإنسانية والغذاء والدواء، بالرغم من وجود استثناءات رسمية. تتأثر المنظمات الإنسانية بشدة، نتيجة للخوف من خرق العقوبات، ما يُضعف جهودها على الأرض.

تناول التقرير أيضًا أثر العقوبات على تكوين ما وصفه بـ"محور المعاقَبين"، حيث تزايدت الشراكات الاقتصادية والدبلوماسية بين دول خاضعة للعقوبات مثل إيران وروسيا وفنزويلا وكوريا الشمالية، في محاولة للالتفاف على النظام المالي الغربي، عبر تطوير نظم دفع بديلة، أو اتفاقات تجارية خارجية.

رصدت الورقة البحثية أن العقوبات الواسعة، كما هو الحال في كوبا أو إيران أو روسيا، أضرت بالمدنيين أكثر من النخب السياسية. بينما نُهبت الموارد، وفُرض التقشف، عانى المواطنون من التضخم ونقص الدواء والغذاء، دون أن يؤدي ذلك إلى تغييرات سياسية جوهرية. أظهر التاريخ أن هذه المعاناة لا تُترجم بالضرورة إلى ضغط شعبي فعّال ضد النظام.

أوصى التقرير بعدة خطوات لتحسين فعالية العقوبات وتقليل آثارها السلبية، من بينها:

تحديد هدف واضح ومحدد مسبقًا للعقوبات، مع إبلاغ جميع الأطراف به، بما في ذلك الحلفاء والجهة المستهدفة.

تعزيز التنسيق بين الدول الحليفة عند تصميم العقوبات وتنفيذها، وتوحيد الجهود القانونية والتجارية.

تضمين خطة بديلة ("خطة ب") منذ البداية، في حال فشل العقوبات في تحقيق أهدافها، تتضمن سبل التفاوض أو التخفيف المرحلي.

إجراء مراجعة سنوية متعددة الأطراف تشمل الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص لتقييم الأثر الإنساني والاقتصادي للعقوبات، وضمان الشفافية والمحاسبة.

وضع مؤشرات قياس دقيقة لتتبع نجاح العقوبات أو فشلها، وتحديد الأثر الفعلي على الفئات المستهدفة وغير المستهدفة.

إعفاء المساعدات الإنسانية من التعطيل، وضمان ألا تتأثر شبكات الإغاثة والدواء بآليات العقوبات.


ختم التقرير بدعوة إلى تغيير جوهري في الطريقة التي تُصمم وتُنفذ بها العقوبات، حتى لا تبقى أداة عقابية مطلقة، بل جزءًا من استراتيجية شاملة تشمل الأدوات الدبلوماسية، ودعم المجتمع المدني، وخطط التعافي.

وبينما يزداد استخدام العقوبات في بيئة دولية منقسمة، تحذر من خطر دخول العالم في "سباق تسلّح بالعقوبات"، حيث تستخدم كل دولة أدواتها الاقتصادية لمعاقبة الأخرى، مما يُضعف النظام العالمي ويُعمّق الانقسامات الدولية.

https://www.chathamhouse.org/2025/07/understanding-and-improving-sanctions-today