شهد الساحل الشمالي المصري في صيف 2025 قفزة غير مسبوقة في أسعار الإيجارات، حيث وصلت الزيادة إلى 70% مقارنة بالعام الماضي، وسط إقبال كثيف من السياح الخليجيين والمصريين من الطبقات العليا، بينما تبدأ أسعار الفنادق الفاخرة من 800 إلى 1000 دولار لليلة الواحدة، تراوحت إيجارات الفيلات بين 20 و30 ألف جنيه مصري لليلة.
هذه الطفرة السعرية أثارت موجة غضب واحتجاجات بين المصريين، حتى من أبناء النخبة المقربة من السلطة، في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم.
الأسباب الاقتصادية وراء الارتفاع الجنوني
1. التضخم وتآكل الجنيه المصري
سجل معدل التضخم في مصر 14.9% في يونيو 2025، بعد أن بلغ 16.8% في مايو، متأثراً بارتفاع أسعار الوقود بنسبة 15% في أبريل، ما انعكس مباشرة على تكلفة الخدمات والسلع، بما فيها الإيجارات السياحية.
تراجعت القوة الشرائية للجنيه المصري بشكل حاد، حيث بلغ متوسط الدخل السنوي للمواطن 3512 دولاراً فقط في 2023، مقارنة بـ4295 دولاراً في 2022، ما جعل الأسعار الجديدة في الساحل الشمالي بعيدة عن متناول معظم المصريين.
يقول المواطن علي إبراهيم، موظف في قطاع التعليم، إنه لم يتمكن من الذهاب للمصيف منذ أكثر من خمس سنوات:
"حتى شاليه في العجمي أو رأس سدر بقى بـ 3000 جنيه في الليلة.. أنا مرتبي كله 4500 جنيه. إحنا مش محسوبين في البلد دي أصلاً."
وبحسب دراسة أصدرها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن أكثر من 72% من المصريين باتوا عاجزين عن السفر داخلياً لأي غرض ترفيهي، بينما تنفق الدولة مليارات الجنيهات على تطوير مناطق تخدم فقط أقل من 1% من السكان.
2. الطلب الخليجي والمصري الفاخر
شهد الساحل الشمالي تدفقاً كبيراً للسياح الخليجيين، خاصة من السعودية والإمارات والكويت، إلى جانب المصريين من الطبقات الثرية، ما أدى إلى منافسة شرسة على العقارات الفاخرة ورفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
يؤكد محمد كعّود، الرئيس السابق للجنة السياحة والطيران بجمعية شباب الأعمال، أن شهري يوليو وأغسطس شهدا ذروة الإقبال من السياح العرب والمصريين، ما دفع المستثمرين وأصحاب العقارات لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
3. سياسات حكومية وتشجيع الاستثمار العقاري
تتبنى حكومة السيسي سياسات تشجع الاستثمار في المدن الساحلية الجديدة مثل العلمين الجديدة ورأس الحكمة، مع منح تسهيلات كبيرة للمستثمرين الأجانب، خاصة الخليجيين، ما أدى إلى زيادة الطلب على الأراضي والعقارات وارتفاع أسعارها بشكل حاد.
في المقابل، تراجعت فرص المصريين العاديين في الاستفادة من هذه المناطق، واقتصرت على النخبة والمقربين من السلطة.
متوسط الأسعار: أرقام تثير الدهشة
- الفنادق الفاخرة: تبدأ من 800 إلى 1000 دولار (أي ما يعادل 38 إلى 48 ألف جنيه مصري) لليلة الواحدة.
- إيجار الفيلات: تتراوح بين 20 و30 ألف جنيه مصري لليلة، وقد تصل بعض الفيلات الفاخرة إلى 40 ألف جنيه وأكثر في ذروة الموسم.
- الشقق الفندقية والشاليهات: تبدأ من 4000 جنيه وتصل إلى 150 ألف جنيه شهرياً حسب الموقع والمساحة ومستوى التشطيب.
- متوسط إيجار الشقق الفاخرة (3 غرف): من 12 ألف إلى 90 ألف جنيه شهرياً في مناطق مثل مارينا والعلمين الجديدة.
نوع العقار |
أقل سعر (جنيه/ليلة) |
أعلى سعر (جنيه/ليلة) |
متوسط شهري (جنيه) |
فيلا فاخرة |
20,000 |
40,000 |
600,000+ |
شقة فندقية |
4,000 |
12,000 |
150,000 |
فندق 5 نجوم |
38,000 |
48,000 |
- |
رصد تقرير JLL MENA: "الطلب القوي من المصريين والأجانب على العقارات الفاخرة أدى إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة تتجاوز 70% في بعض المناطق الساحلية، مع تحول المستثمرين إلى الإيجار بدلاً من البيع لتعظيم العائد"
كما صرح هشام الدناسوري، الرئيس التنفيذي لشركة نايا للتطوير العقاري: "الحكومة اتخذت خطوات جدية لتحويل الساحل الشمالي إلى وجهة دائمة طوال السنة، ما رفع الطلب بشكل غير مسبوق على العقارات الفاخرة"
لماذا يشتكي المصريون رغم أنهم من "عيلة القوم"؟
رغم أن غالبية المستفيدين من عقارات الساحل الشمالي ينتمون إلى الطبقات العليا، إلا أن موجة الغلاء طالت حتى أبناء النخبة، حيث باتت الأسعار تفوق قدراتهم، في ظل تراجع قيمة الجنيه وارتفاع تكاليف المعيشة.
كثير من المصريين يرون أن سياسات الحكومة تخدم مصالح المستثمرين الخليجيين والمقربين من السلطة، على حساب المواطنين العاديين الذين باتوا عاجزين عن قضاء إجازة صيفية في بلادهم.
حتى بعض رجال الأعمال والمشاهير اشتكوا من الأسعار المبالغ فيها، معتبرين أن الساحل الشمالي أصبح "دولة داخل الدولة" لا يدخلها إلا الأثرياء جداً.
أزمة طبقية في ظل حكم السيسي
ارتفاع أسعار الإيجارات في الساحل الشمالي هو انعكاس مباشر لأزمة اقتصادية واجتماعية أعمق تعيشها مصر في ظل حكم السيسي وحكومته الانقلابية، السياسات الحكومية التي تركز على جذب الاستثمارات الأجنبية وتلبية رغبات النخبة، أدت إلى تهميش غالبية المصريين وزيادة الفجوة الطبقية، ومع استمرار التضخم وتراجع الدخل الحقيقي، تبدو آفاق الحل بعيدة، ما لم تتغير السياسات وتتم إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدلاً وشفافية.