في خطوة جديدة تضاف إلى سلسلة قرارات وزارة التربية والتعليم المثيرة للجدل، أعلنت الوزارة يوم الإثنين 8 يوليو 2025 عن استثناء أربع مدارس فنية متقدمة في محافظات القاهرة، الإسماعيلية، والسويس للعمل بنظام "الدبلوم الفني لمدة خمس سنوات"، اعتبارًا من العام الدراسي 2025/2026، وذلك ضمن ما وصفته بـ"خطة تطوير التعليم الفني وإعداد فنيين بمستوى مهني عالٍ".

وتشمل المدارس: مدرسة التكنولوجيا التطبيقية بمدينة نصر (القاهرة)، مدرسة الصناعات المتقدمة بالإسماعيلية، ومدرستين بمحافظة السويس، دون أن توضح الوزارة سبب اختيار هذه المدارس تحديدًا أو آلية الاختيار.

ما هو نظام الدبلوم الفني لمدة خمس سنوات؟

نظام دبلوم خمس سنوات هو نظام تعليمي فني تم اعتماده منذ قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، ويهدف إلى إعداد فنيين "فني أول" و"مدربين" في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والإدارة والخدمات.

يعتمد النظام على دراسة خمس سنوات بعد إتمام التعليم الأساسي، وينتهي بامتحان عام من دورين يمنح الناجحون فيه دبلوم الدراسة الفنية المتقدمة مع تحديد نوع التخصص.

تحدد أقسام الدراسة الفنية وفقًا لمتطلبات خطط التنمية على مستوى الدولة، ويصدر وزير التربية والتعليم قرارات بتحديد هذه الأقسام والمواد الدراسية والمناهج ونظم التقويم والامتحانات بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم.

كما يُسمح للمدارس الفنية بإقامة مشروعات إنتاجية ذات صلة بتخصصاتها، وتستفيد منها الوحدات المحلية وقطاعات الإنتاج لرفع المستوى المهني لأصحاب المهن

يعد نظام الدبلوم الفني لخمس سنوات مسارًا تعليمياً فنياً موازياً للتعليم الجامعي القصير، تم تطبيقه بشكل جزئي منذ عام 2019، ويهدف إلى تأهيل الطلاب فنيًا ونظريًا بشكل موسع بعد المرحلة الإعدادية، حيث يقضي الطالب خمس سنوات من الدراسة المتخصصة في مجالات مثل الهندسة الصناعية، والإلكترونيات، والزراعة، والسياحة، وغيرها، بدلاً من النظام التقليدي ثلاثي السنوات.

ويُمنح خريج هذا النظام شهادة دبلوم فني متقدم، ما يتيح له الالتحاق بسوق العمل مباشرة أو الاستمرار في الدراسة الجامعية بكليات التكنولوجيا والتعليم الصناعي.

ويهدف هذا النظام -بحسب الوزارة- إلى تخريج كوادر فنية مؤهلة لسوق العمل المحلي والدولي، وهو ما تم ربطه باتفاقات مع بعض الشركات الخاصة في السنوات الأخيرة.

خلفية القرار وتوقيته

بحسب بيان رسمي لوزارة التربية والتعليم، فإن هذا القرار يأتي "في إطار خطة الدولة لتطوير التعليم الفني وربطه بسوق العمل، وتنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية بضرورة النهوض بمستوى التعليم الفني في مصر ليواكب متطلبات التنمية الشاملة".

لكن توقيت القرار، وعدم وضوح معاييره، وغياب الشفافية حول الجهات الشريكة أو المعايير الفنية التي على أساسها تم اعتماد هذه المدارس دون غيرها، أثار موجة من الانتقادات في الأوساط التعليمية والمعارضة السياسية.

تصريحات متضاربة..

من جهته، صرح الدكتور محمد مجاهد، نائب وزير التربية والتعليم لشؤون التعليم الفني، أن "هذا القرار سيمثل نقلة نوعية في إعداد فنيين قادرين على تلبية احتياجات المشروعات القومية الكبرى"، مشيرًا إلى أن الوزارة تعتزم "تعميم التجربة على باقي المحافظات خلال السنوات القادمة".

لكن مراقبين يرون أن هذا الخطاب لا يعكس الواقع الحقيقي، فبحسب الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث، فإن "الوزارة تُغلف قراراتها بشعارات براقة دون رؤية واضحة أو تمويل كافٍ أو بنية تحتية مناسبة"، مضيفًا: "المدارس الفنية في مصر تعاني من نقص حاد في الإمكانيات، وعدم تحديث المناهج، وغياب التنسيق الفعلي مع سوق العمل.

كيف يمكن الحديث عن تطوير فني خمس سنوات، بينما الفصول مكدسة والمعدات متهالكة؟".

تخبط تشريعي مستمر في عهد الانقلاب

تتسم سياسات وزارة التربية والتعليم في عهد السيسي بالعشوائية والتقلبات المستمرة، حيث تُعلن قرارات مفاجئة دون دراسة أو خطة استراتيجية واضحة، كما حدث مع نظام الثانوية العامة الجديد الذي أثار ردود فعل متباينة بين الترحيب والاستياء.

الوزير محمد عبد اللطيف، الذي تولى الوزارة مؤخرًا، تعرض لانتقادات شديدة بسبب تزوير شهاداته الأكاديمية، كما أن تعيين الفريق أشرف زاهر، مدير الأكاديمية العسكرية، مسؤولًا عن تدريب وتأهيل الكوادر التعليمية، أثار تساؤلات حول جدوى دمج المؤسسة العسكرية في قطاع التعليم المدني

هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها السياسات التعليمية تخبطاً في ظل حكم السيسي والانقلاب العسكري منذ عام 2013.

كما شهد قطاع التعليم الفني تحديدًا تعديلات متكررة خلال السنوات الخمس الماضية، ما بين تغيير نظام الدرجات، وإدخال ما سمي بـ"المدارس التكنولوجية التطبيقية"، ثم إعلان تحويل بعضها إلى مدارس حكومية "بشراكة دولية"، ثم العودة لتبني نموذج الخمس سنوات، دون أي تقييم أو تقارير شفافة عن نتائج التجارب السابقة.

وقد أشار تقرير صدر عن الجهاز المركزي للمحاسبات في 2023 إلى أن "ما يقرب من 72% من مدارس التعليم الفني لا تلبي المعايير المعتمدة للتدريب الفني"، وهو ما يعكس حجم الفجوة بين التصريحات الحكومية والواقع التعليمي.

هل التعليم الفني في خدمة السوق أم النظام؟

يرى اقتصاديون أن النظام يسعى لإظهار أنه يعمل على "تأهيل العمالة المصرية لتكون جزءاً من المشروعات القومية" كالعاصمة الإدارية الجديدة أو مشروعات محور قناة السويس، ولكن ذلك يتم غالبًا لخدمة مشاريع يديرها الجيش أو شركات مقربة من الأجهزة السيادية، دون ضمانات حقيقية لحقوق الطلاب أو توظيفهم لاحقاً.

وقد صرح الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق في أحد اللقاءات التلفزيونية عام 2024 قائلاً: "التعليم الفني أصبح يُستخدم كأداة لتغذية مشروعات الجيش والمستثمرين الموالين، وليس لتوفير تعليم حقيقي يُمكن أبناء الطبقات الفقيرة من تحسين أوضاعهم الاجتماعية".

غياب الشفافية والحوكمة

في الوقت الذي تُقر فيه الدولة مبادرات تطوير التعليم الفني، تغيب المعايير الدولية للحوكمة والشفافية، فلم تُنشر حتى الآن أي دراسة جدوى اقتصادية أو تربوية حول تطبيق نظام الخمس سنوات في المدارس المُعلن عنها، ولا توجد مؤشرات على الشراكات الأجنبية أو الخاصة، ولا آليات تقييم للطلاب أو ضمان جودة التدريب.

كما لم يُشر القرار إلى ما إذا كان الطلاب سيحصلون على دعم مالي أو أدوات تدريبية، أو إذا كانت هناك خطة لتأهيل المعلمين، خاصة أن معظم مدرسي التعليم الفني يشكون من تدني الرواتب وسوء بيئة العمل.

إن استثناء أربع مدارس فنية للعمل بنظام الخمس سنوات قد يبدو خطوة إيجابية ظاهريا، لكنه في الواقع امتداد لسلسلة سياسات تعليمية عشوائية وغير مدروسة تنفذها وزارة التربية والتعليم تحت حكم السيسي، حيث تغيب الشفافية والمحاسبة وتغلب الشعارات الدعائية على الواقع المزري.