في خطوة جديدة ضمن سلسلة المشاريع الاستراتيجية المثيرة للجدل، أعلنت مصر وروسيا هذا الأسبوع توقيع عقد ملحق بخصوص إنشاء وتشغيل محطة الضبعة النووية، أول محطة للطاقة النووية في البلاد.

وجاء الإعلان بالتزامن مع زيارة مدير شركة "روسأتوم" الروسية أليكسي ليخاتشيف للقاهرة، حيث التقى بقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، في اجتماع وصفته الجهات الرسمية بأنه "متابعة دقيقة لتطورات المشروع النووي الأكبر في إفريقيا".

تفاصيل الاتفاق الملحق

تم توقيع الملحق الجديد للعقد في أوائل يوليو 2025 بمقر الهيئة المصرية للطاقة النووية، بحضور مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين المصري والروسي.

ويهدف العقد الملحق إلى تنظيم آليات التشغيل والصيانة بعد الانتهاء من الإنشاء، ووضع الأطر الفنية والتقنية لتدريب الكوادر المصرية، بحسب بيان شركة "روسأتوم".

ويأتي هذا التطور بعد سنوات من توقيع الاتفاق الأصلي في ديسمبر 2017، حينما وقعت مصر وروسيا عقداً لبناء محطة الضبعة النووية بتكلفة تقدر بـ30 مليار دولار، تمول روسيا حوالي 85% منها عبر قرض حكومي طويل الأجل بفائدة تبلغ 3%.

ومن المتوقع أن تضم المحطة أربعة مفاعلات نووية من طراز VVER-1200، بقدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 4.8 جيجاوات.

لقاء السيسي ومدير روسأتوم

اللقاء الذي جمع السيسي مع ليخاتشيف في القاهرة في 8 يوليو 2025، حضره عدد من الوزراء والمسؤولين الأمنيين، وهو اللقاء الثالث من نوعه منذ بداية العام.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، فإن الاجتماع "أكد التزام الجانب المصري بتذليل العقبات أمام التنفيذ الكامل للمشروع وفق الجدول الزمني المتفق عليه".

إلا أن هذا الخطاب الرسمي يواجه تشكيكاً واسعاً من خبراء اقتصاد ومراقبين يرون أن المشروع قد يتحول إلى عبء إضافي على الدولة، لا سيما في ظل الإدارة المركزية العسكرية الحالية التي وصفها البعض بـ"الفاشلة وغير المعنية بدراسات الجدوى الاقتصادية".

اقتصاد متهالك... هل تتحمل مصر التكلفة؟

تُقدّر التكلفة الإجمالية للمحطة بنحو 30 مليار دولار، ستسدد مصر منها 25 مليار دولار لروسيا على مدى 22 عاماً، تبدأ بعد تشغيل المفاعل الأول.

ووفقاً لتقديرات اقتصادية، فإن أقساط القرض قد تمثل ضغطاً هائلاً على الموازنة العامة، خاصة مع انهيار قيمة الجنيه المصري، وبلوغ معدل التضخم أكثر من 35% في مايو 2025.

يقول الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة سابقاً، إن "المشروع من حيث الجدوى قد يكون مفيداً على المدى البعيد، لكن في ظل غياب الشفافية الاقتصادية وسوء الإدارة وغياب البرلمان الحقيقي، فإن المخاوف من تبديد الموارد تبقى مبررة".

ويضيف: "كيف نبدأ في تشغيل محطة نووية ونحن نستورد الغاز المسال لسد عجز الكهرباء؟"

ماذا تحقق حتى الآن؟

بحسب تصريحات شركة "روسأتوم"، فإن العمل في الموقع يسير بوتيرة جيدة، وتم الانتهاء من صب الخرسانة الأولى للمفاعل الرابع في أبريل 2025.

كما تم إرسال عدد من المهندسين المصريين إلى روسيا للتدريب ضمن اتفاق تبادل الخبرات. ومن المخطط أن يبدأ تشغيل أول مفاعل عام 2028، وهو موعد يشكك فيه العديد من الخبراء.

المهندس محمد العشري، الرئيس الأسبق لهيئة الطاقة النووية، أعرب عن قلقه من عدم وجود جهاز رقابي مستقل يتابع المشروع: "نحن نحتاج إلى إطار تشريعي وفني واضح لإدارة هذه التقنية الحساسة، وليس فقط صفقات بين العسكر والروس".

تُدار معظم مشاريع الطاقة والبنية التحتية الكبرى في مصر حالياً عبر المؤسسة العسكرية، التي تُعفى من المراقبة البرلمانية والمالية.

ورغم ضخامة المشروع، لم تُنشر دراسات الجدوى الاقتصادية أو البيئية الكاملة، ما يثير تساؤلات مشروعة حول شفافية الإنفاق.

الدكتورة عالية المهدي، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، أكدت أن "المشكلة لا تكمن في المشروع النووي بحد ذاته، بل في من يديره، عندما تتعامل مع مفاعلات نووية في ظل غياب المحاسبة، فأنت تضع حياة ملايين المواطنين في الميزان".

هل تنجح الضبعة وسط هذه الظروف؟

يرى مراقبون أن مشروع الضبعة قد يكون ناجحاً تقنياً، خاصة بوجود شريك بحجم "روسأتوم"، التي نفذت مشاريع مماثلة في تركيا والهند، لكن نجاحه يعتمد بالدرجة الأولى على إدارة مصرية كفؤة وشفافة.

في المقابل، فإن الإصرار على إدارة عسكرية مغلقة للمشروع قد يؤدي إلى تعثره أو على الأقل تضخيم تكلفته بشكل غير مبرر.

في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية خانقة، وانهيار في الخدمات الأساسية، تُصر الإدارة الحالية على المضي قدماً في مشروعات عملاقة دون مشاركة مجتمعية حقيقية أو شفافية مالية.

محطة الضبعة النووية قد تكون بالفعل خطوة استراتيجية نحو أمن الطاقة، لكنها في ظل الوضع الراهن تبدو وكأنها مقامرة سياسية واقتصادية قد تُحمّل الأجيال القادمة ديوناً وتكاليف باهظة.

وفي ظل إدارة لا تؤمن بدراسات الجدوى أو المساءلة، يبقى السؤال قائماً: هل ستُضيء الضبعة مستقبل مصر أم تحرقه؟