في مشهد يبدو كأنه محاولة لتجميل صورة النظام الحاكم في مصر، أعلنت وزارة الأوقاف، التابعة لحكومة عبد الفتاح السيسي، عن مشاركتها في لقاء توعوي بمركز إمبابة لعلاج الإدمان، بالتعاون مع محافظة القاهرة. وقد تم الإعلان عن اللقاء بوصفه جزءاً من حملة توعية دينية ومجتمعية تهدف إلى الحد من ظاهرة الإدمان، ونشر "الفكر الوسطي المعتدل".

لكن يبقى السؤال الأهم: هل تنجح هذه الحملات في ظل نظام شمولي قائم على القمع السياسي والانهيار الاجتماعي؟

 

مشاركة شكلية أم تغيير حقيقي؟

وفقاً للبيان الرسمي الصادر في 8 يوليو 2025، أكدت وزارة الأوقاف بحكومة الانقلاب أنها تسعى من خلال هذا اللقاء إلى «توظيف الخطاب الديني في توعية الشباب بخطورة المخدرات وأضرار الإدمان على الفرد والمجتمع».

وقد حضر الفعالية عدد من الوعاظ ورجال الدين، إلى جانب ممثلين عن المحافظة وبعض المسؤولين المحليين.

وتأتي هذه الفعالية ضمن سلسلة من الأنشطة التي تقوم بها الوزارة، والتي تشمل الندوات الدينية والخطب الموحدة في المساجد، بهدف دعم "الاستقرار المجتمعي".

لكن العديد من المراقبين يشككون في فاعلية هذه المبادرات، لا سيما أن الأزمة تمتد إلى جذور أعمق بكثير من مجرد نقص في التوعية الدينية.

 

الإدمان.. عرض لمرض اجتماعي أعمق

تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن "صندوق مكافحة وعلاج الإدمان" إلى أن نسبة تعاطي المخدرات في مصر بلغت نحو 10.4% من السكان البالغين، وهي نسبة تفوق المعدلات العالمية التي تتراوح بين 4 إلى 5%. بل وتصل النسبة إلى 13.2% في بعض المناطق العشوائية والمهمشة، حيث تنعدم الخدمات الصحية والتعليمية.

وتكشف الدراسات أن البطالة، الفقر، انهيار منظومة التعليم، وغياب الأفق السياسي، كلها من العوامل المؤدية إلى تفشي الإدمان. ووفقاً لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نهاية عام 2024، فإن معدل البطالة بين الشباب يتجاوز 23%، في حين يعيش أكثر من 30% من المصريين تحت خط الفقر.

يقول الدكتور هاني عبد الله، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، في تصريح صحفي: "الإدمان في مصر ليس مجرد ظاهرة صحية، بل هو نتيجة منطقية لانهيار البنية الاجتماعية في ظل نظام لا يوفر الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة."

 

نظام السيسي ومفاقمة الأزمة

يرى كثيرون أن حكم عبد الفتاح السيسي الذي بدأ بانقلاب عسكري عام 2013، هو جزء من المشكلة وليس الحل، فمنذ الانقلاب، شهدت البلاد تدهوراً اقتصادياً حاداً، وارتفاعاً غير مسبوق في معدلات التضخم والديون، فضلاً عن القمع السياسي الذي دفع آلاف الشباب إلى فقدان الأمل والشعور بالانتماء.

وفي حين تنفق الدولة المليارات على مشروعات عملاقة لا تعود بأي نفع ملموس على المواطن البسيط، مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تجاوزت تكلفتها 90 مليار جنيه مصري حتى نهاية 2024، تتجاهل الحكومة الاستثمار الحقيقي في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

الكاتب الصحفي المعارض عبد الرحمن يوسف كتب عبر حسابه على منصة X تويتر سابقًا: لا يمكن محاربة الإدمان بخطبة جمعة، في حين يعيش المواطن تحت خط الفقر بلا أمل، بلا حرية، وبلا مستقبل."

 

مساجد تحت سيطرة أمنية

جدير بالذكر أن وزارة الأوقاف في عهد السيسي تحولت إلى أداة سياسية بيد السلطة، حيث تم تعيين خطباء ووعاظ تابعين أمنياً، وتم فرض رقابة مشددة على مضمون الخطب والندوات، وبدلاً من أن تكون المساجد منابر حرة للنقاش والمصارحة، أصبحت أدوات لنشر خطاب سلطوي يبرر القمع ويحذر من "الفوضى والإرهاب".

تقول الدكتورة ليلى الشافعي، الباحثة في علم النفس المجتمعي: "حين يُستخدم الدين لتخدير الناس بدل توعيتهم بحقوقهم، فإننا نُسهم في إنتاج جيل خانع، وليس متعافياً من الإدمان."

 

التوعية لا تكفي وحدها

إن أي حملة توعوية، دينية كانت أو إعلامية، لن تنجح في الحد من الإدمان ما لم تُعالج جذور الأزمة البنيوية، فالأمر لا يتعلق فقط بخطورة المواد المخدرة، بل ببيئة سياسية واقتصادية طاردة، لا تمنح الأفراد فرصاً للعيش الكريم.

وحتى مراكز علاج الإدمان نفسها تعاني من نقص التمويل، وقلة الكوادر المؤهلة، وغياب الدعم النفسي الحقيقي للمتعافين، الذين غالباً ما يعودون إلى نفس البيئة الطاردة بعد إنهاء العلاج.

حملات التوعية ضد الإدمان التي تقودها وزارة الأوقاف هي محاولة شكلية في ظل نظام يزرع بذور الإدمان والانهيار، فلا يمكن الفصل بين الإدمان كمشكلة صحية، وبين السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يغذيه.

طالما ظل نظام السيسي قائمًا على القمع، وتكميم الأفواه، وإفقار الشعب، فإن أي مبادرة توعوية ستظل قاصرة، وربما تساهم في التغطية على فشل عميق يتجاوز مسألة المخدرات إلى قضية الوطن بأكمله.