بلغ حجم الإنفاق الحكومي المصري على مشروع مدينة العلمين الجديدة نحو 81.5 مليار جنيه، منها 43.9 مليار جنيه أنفقت خلال العام المالي 2024-2025، وتعتزم الحكومة إنفاق 37.6 مليار جنيه إضافية حتى منتصف 2026، وفق ما نقلته مصادر رسمية ووكالات مثل الشرق بلومبيرج.
هذا الإنفاق الضخم يأتي في وقت تعاني فيه قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة من تحديات كبيرة في التمويل والجودة، ما يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق العام في مصر.
المدينة الصيفية ومقر الحكومة.. تبذير أم ضرورة؟
مدينة العلمين الجديدة لم تعد مجرد مشروع عمراني، بل تحولت إلى مقر صيفي لحكومة السيسي، حيث تم بناء مقر حكومي صيفي ضخم فيها قبل الانتهاء من المقر الأساسي في العاصمة الإدارية.
هذا المقر يُستخدم لأيام قليلة في السنة، ما اعتبره مراقبون وسياسيون "هدراً كبيراً للمال العام"، خاصة في ظل تخفيض الدعم ورفع الأسعار على المواطنين، وإقصاء مئات الآلاف من بطاقات التموين.
رئيس مركز دراسات الدول النامية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، انتقد غياب الأولويات في الإنفاق، مشيراً إلى أن ثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن الحكومة تزيد من أعداد الفقراء بسياساتها الاقتصادية.
مشاريع ضخمة وأبراج شاهقة..
تضم مدينة العلمين الجديدة مشاريع ضخمة، أبرزها خمسة أبراج مطلة على البحر، بلغت تكلفتها نحو ملياري دولار (100.2 مليار جنيه)، تنفذها الشركة الصينية العامة للهندسة المعمارية لصالح وزارة الإسكان المصرية، من بين هذه الأبراج برج "أيقوني" بارتفاع 250 متراً (68 طابقاً)، بالإضافة إلى أبراج أخرى بارتفاعات تصل إلى 200 متر و190 متراً.
هذه المشاريع تعكس رؤية الحكومة في تحويل المدينة إلى عاصمة سياحية وسكنية حديثة، لكنها في الوقت نفسه تثير انتقادات واسعة بسبب التكاليف الباهظة وسط مطالبات برشادة الإنفاق.
العلمين "مدينة الجيل الرابع" وأولوية وطنية
أكد رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي في أبريل 2025 أن مدينة العلمين الجديدة تعتبر من مدن الجيل الرابع وتحظى بأهمية كبرى لدى دولة الانقلاب، بوصفها نواة لتطوير الساحل الشمالي الغربي، وأشار إلى تنفيذ مشاريع سكنية وتجارية وخدمية وثقافية متعددة، مع التركيز على تشغيل هذه المشاريع لتوفير فرص عمل وتحقيق التنمية الاقتصادية، ودعا إلى إزالة العقبات وتسريع الإنجاز، في محاولة لإظهار جدية الحكومة في إنجاح المشروع رغم التحديات الاقتصادية.
جدل سياسي وشكاوى الملاك.. من حلم قومي إلى كابوس
على الرغم من طموحات حكومة الانقلاب، تحولت مدينة العلمين إلى ساحة غضب واحتجاجات من قبل الملاك الذين يعانون من سوء الإدارة وتأخر تسليم الوحدات، مما أدى إلى اتهامات بإهدار الأموال العامة، كما انتقد نواب البرلمان استمرار الإنفاق الباذخ على إقامة الوزراء وكبار المسؤولين في المدينة خلال الإجازات الصيفية، رغم دعوات ترشيد الإنفاق العام.
هذه الانتقادات تعكس حالة من الاستياء الشعبي والسياسي تجاه ما يُعتبر تبذيراً في ظل أزمات اقتصادية حادة.
السياق الاقتصادي
تأتي هذه الاستثمارات الضخمة في وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية حادة، دفعتها إلى اتخاذ إجراءات تقشفية وطرح أصول حكومية للبيع لتوفير النقد الأجنبي، هذا الإنفاق الكبير على مشاريع مثل العلمين يثير تساؤلات حول أولويات حكومة الانقلاب وقدرتها على تحقيق عائد اقتصادي حقيقي من هذه الاستثمارات، خاصة مع استمرار ارتفاع الدين العام وتراجع الاحتياطيات الأجنبية.
ويرى خبراء التنمية أن الاستثمار في مشروعات كبرى مثل العلمين يجب أن يكون مدعوماً بخطط واضحة للتشغيل والتشغيل المستدام، مع ضمان تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة، إلا أن الواقع يشير إلى وجود فجوات كبيرة في الإدارة والرقابة، مما يؤدي إلى هدر الأموال العامة دون تحقيق الأهداف التنموية المرجوة، ويطالب هؤلاء بضرورة مراجعة شاملة للإنفاق الحكومي على مثل هذه المشاريع، مع تعزيز الشفافية والمساءلة لضمان استفادة المواطنين وتحقيق التنمية الحقيقية.
فإنفاق الحكومة المصرية على مدينة العلمين الجديدة، الذي تجاوز 81.5 مليار جنيه، يعكس طموحاً كبيراً في تطوير منطقة استراتيجية، لكنه في الوقت نفسه يثير جدلاً واسعاً حول جدوى هذا الإنفاق وسط أزمة اقتصادية خانقة وشكاوى من سوء الإدارة وهدر الأموال العامة.
تصريحات المسؤولين الرسمية تؤكد أهمية المشروع، لكن الواقع الميداني وانتقادات النواب والملاك تكشف عن تحديات كبيرة تواجه تحقيق هذا الحلم القومي.