تعيش أحياء واسعة من محافظة السويس، منذ أسابيع، معاناة حقيقية بسبب انقطاع مياه الشرب بشكل شبه تام، في ظل تجاهل تام من مسؤولي حكومة الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي، من حي فيصل إلى مناطق الأربعين وعتاقة والسادات، يتكرر المشهد: صهاريج مياه بدائية، أطفال يتنقلون بالجرادل، وسكان يصطفون تحت لهيب الشمس لساعات في انتظار قطرة ماء.

ورغم التصريحات الرسمية لحكومة الانقلاب التي تزعم أن "الأزمة تحت السيطرة"، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك، حيث وصلت مدة انقطاع المياه في بعض المناطق إلى أكثر من 10 ساعات يوميًا، ما جعل المواطنين يطلقون عبر مواقع التواصل الاجتماعي استغاثات عاجلة للبحث عن حلول مؤقتة أو دائمة، وسط تجاهل تام من المحافظ والمسؤولين التنفيذيين.

 

تكرار الأزمة.. فشل مزمن في البنية التحتية

أسباب الأزمة لا تنفصل عن الواقع المتردي للبنية التحتية الذي تعيشه مصر في عهد السيسي، رغم ما يُنفق من مليارات على مشروعات لا تخدم المواطن.

بحسب تصريحات مسؤولين سابقين في الشركة القابضة لمياه الشرب، تعاني محطات المياه بالسويس من تهالك الشبكات وتكرار الأعطال في محطات الرفع، ناهيك عن ضعف الصيانة الدورية.

وقد أشارت تقارير إعلامية خلال الأشهر الماضية إلى أعطال متكررة في محطة "عتاقة" الرئيسية، التي تغذي مناطق واسعة من المدينة.

في منتصف يونيو 2025، تسربت معلومات عن انفجار خط رئيسي للمياه دون تدخل فوري من الشركة، ما فاقم من الأزمة.

وفي الوقت الذي يتم فيه ضخ المليارات في مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة أو طلاء الأسوار بالعاصمة، تتجاهل حكومة الانقلاب الحاجة إلى تطوير شبكات مياه الشرب في المحافظات القديمة والمهمشة، مثل السويس.

 

السكان يصرخون: "نريد الماء لا الكباري"

ردود فعل السكان الغاضبة لم تتأخر، فقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي حالة من الغليان الشعبي، مع تداول صور ومقاطع فيديو توثق معاناة العائلات في تعبئة المياه من خزانات متنقلة أو آبار قديمة، وهو ما أعاد للأذهان مشاهد من دول تعاني الجفاف وليس دولة يُفترض أنها تمتلك نهر النيل.

قال أحد سكان حي فيصل في بث مباشر عبر "فيسبوك": "إحنا بنشرب من الجراكن.. وبيجوا بالعربية يدونا مياه مرة في اليوم، وممكن متجيش أصلاً!".

فيما تساءلت سيدة أخرى: "فين الحكومة؟ فين المحافظ؟ إحنا بشر برضو مش أقل من سكان العاصمة الإدارية!"

ورغم تصاعد الأصوات، لم يخرج أي تصريح رسمي من محافظ السويس سوى جملة مقتضبة جاء فيها: "الأعطال تحت الإصلاح، والأزمة ستحل قريبًا"، دون تقديم جدول زمني واضح أو إجراءات عاجلة بديلة.

 

سيناريوهات أكثر سوءًا

تُظهر الأزمة افتقار الحكومة إلى خطط بديلة أو حتى طوارئ للتعامل مع الكوارث الخدمية. فلم يتم توفير خزانات مياه كافية، ولا سيارات توزيع منتظمة، بينما أُجبر بعض الأهالي على شراء المياه من مصادر خاصة بأسعار باهظة، تجاوز سعر الجركن الواحد 10 جنيهات.

ولم تعلن حكومة مدبولي عن أي خطة لإعادة تأهيل الشبكة أو تخصيص ميزانية طارئة، وهو ما يزيد من التوجس الشعبي من احتمال تكرار الأزمة أو استمرارها لأشهر، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة واحتياج المواطنين للماء بشكل مضاعف.

العديد من المراقبين يرون أن ما يحدث في السويس ليس إلا نموذجًا مصغرًا للفشل العام في إدارة موارد الدولة والخدمات الأساسية تحت حكم السيسي، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الإنشاءات غير الضرورية على حساب صحة وكرامة المواطنين.

 

تصريحات وتناقضات: من المسؤول؟

وفي خضم الأزمة، تصاعدت التصريحات المتضاربة بين المسؤولين، ففي 20 يونيو 2025، صرحت المتحدثة باسم وزارة الإسكان، مي عبد العزيز، بأن "السويس لا تعاني من أي عجز مائي"، وهو ما أثار موجة سخرية عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي.

من جهته، نفى رئيس شركة مياه الشرب بالسويس، المهندس شريف وهبة، وجود أزمة حقيقية، قائلاً إن "الأعطال طبيعية في مثل هذا الوقت من العام"، وهو تصريح اعتبره الأهالي استخفافًا بمعاناتهم المستمرة.

ورغم تجاهل الحكومة المركزية، طالب نواب المعارضة في البرلمان مثل النائب أحمد الشرقاوي بفتح تحقيق عاجل في ما وصفه بـ"جريمة الإهمال المتعمد"، داعيًا إلى مساءلة المحافظ والشركة المسؤولة عن شبكات المياه.

 

أين تذهب ميزانية المياه؟

بحسب الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024/2025، تم تخصيص أكثر من 14.5 مليار جنيه لقطاع مياه الشرب والصرف الصحي، لكن يبقى السؤال: أين تذهب هذه الأموال؟

خبراء يرون أن الفساد المستشري وسوء الإدارة يلتهمان أي أمل في تحسين الخدمات.

في هذا السياق، يقول الخبير الهندسي الدكتور محمد حافظ: "الحكومة تنفق في غير محل الإنفاق، فبدلاً من صيانة المحطات والشبكات القديمة، تصرف الملايين في مكاتب استشارية ومؤتمرات دعائية لا تفيد المواطن".

وفي ظل هذا المشهد، تبقى أزمة المياه في السويس ناقوس خطر ينذر بانهيار أوسع في خدمات البنية التحتية، وسط حكم عسكري لا يعرف من الدولة إلا وجهها القمعي، ويغض الطرف عن أبسط حقوق المواطنين: الماء.