كشف الكاتب والمحلل الاقتصادي الإسرائيلي نحوم شترسلر في صحيفة "هآرتس"، كذب التصريحات الأمريكية التي تدّعي أن أمريكا وإسرائيل انتصرتا في عدوانهما على إيران، مؤكدًا أن مغرد البيت الأبيض يمارس الكذب ويختلق الأباطيل في تصريحاته، واصفًا الرئيس الأمريك ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأنهما "متحايلين لا مبادئ لهما".
النجاة من الضربات "انتصار"
ورأى شترسلر أن طهران نجحت في تحويل المشهد بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية إلى "نصر معنوي"، لأنها لم تُهزم بضربة قاضية. وأضاف شترسلر في مقال نشرته صحيفة هآرتس أن كلما مر الوقت، بدا وضع إيران أقل سوءًا، بل على العكس، "الزعماء الإيرانيون يتحدثون عن انتصار، لأن ترامب ونتنياهو تراجعا في اللحظة الحاسمة".
وبحسب شترسلر، فإن استمرار القصف لبضعة أيام إضافية فقط كان من شأنه أن يدفع المرشد الإيراني علي خامنئي للرضوخ والقبول بتجميد البرنامج النووي، قائلاً: "لو واصلا الضغط العسكري قليلاً، لصرخ خامنئي: توقفوا! سأتوقف عن تخصيب اليورانيوم!".
لكن ما حدث كان عكس ذلك، بحسب شترسلر، فـ"في لحظة رفع القدم عن رقبته، خرج خامنئي بخطاب نصر متحديًا: صفعنا الأميركيين، ولن نستسلم"، بينما أعلن رئيس الأركان الإيراني أن بلاده فرضت إرادتها على الولايات المتحدة وإسرائيل.
أما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فعلق بصوت منخفض: "إنهم يكذبون عندما يقولون إنهم انتصروا". لكن الواقع – كما يرى شترسلر – أن طهران تعتبر مجرد نجاتها واستمرارها في الوقوف على قدميها هو في حد ذاته انتصار، ولهذا فهي ماضية في مشروعيها النووي والصاروخي.
وأشار شترسلر إلى أن الإيرانيين يستحضرون مصير الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي تخلى عن برنامجه النووي في 2003، لكن نهايته كانت مأساوية بعد سنوات، عندما أطيح به وقُتل في انتفاضة شعبية مدعومة من الناتو. لذا، فإن طهران ترى في السلاح النووي بوليصة تأمين لبقائها.
لا نصر مطلق في إيران
شكّك محللون إسرائيليون في الرواية التي يروج لها كل من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو بشأن تحقيق "نصر مطلق" على إيران، واعتبروا أن ما يحدث لا يتعدى كونه حملة علاقات عامة تخلو من أي إنجاز حقيقي على الأرض.
وفي هذا السياق، وصف الكاتب الإسرائيلي نحوم شترسلر كلا الزعيمين بأنهما "متحايلان بلا مبادئ"، يسعيان خلف عناوين دعائية لا تتطابق مع الواقع. وقال إن الرئيس الأميركي السابق ترامب، على وجه الخصوص، لا يكترث بتقدم إيران نحو امتلاك سلاح نووي، لأنه لا يشكل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة، بل لإسرائيل. "ولو اضطرت إسرائيل إلى خوض حرب جديدة، فلن تُسفك الدماء الأميركية"، على حد تعبيره.
وأضاف شترسلر أن ما يشغل ترامب حاليًا هو أسعار النفط، التي تراجعت مع توقف المواجهة مع إيران، مما انعكس مباشرة على أسعار الوقود في الداخل الأميركي. وأشار إلى أن ملايين الأميركيين سيخرجون للاحتفال بعيد الاستقلال الأسبوع المقبل، وما يهمهم بالفعل هو سعر البنزين، لا البرنامج النووي الإيراني.
وتساءل شترسلر ساخرًا: "إذا كانت إيران قد هُزمت بالفعل، كما يدّعي ترامب، فلماذا تعلن طهران تجميد تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ ولماذا يقول مدير الوكالة إن طهران قادرة على تخصيب اليورانيوم خلال أشهر؟". كما لفت إلى أن وزير الخارجية الإيراني – المنتمي إلى الدولة التي يُقال إنها مهزومة – لا يزال يفرض شروطًا للحوار مع واشنطن، من بينها أن "يتوقف ترامب عن التحدث بسوء عن المرشد الإيراني علي خامنئي".
واختتم بالقول: "حين تضع الدولة المهزومة الشروط، وتحدد سقف الخطاب، فمن العبث الحديث عن نصر مزعوم".
بين المبالغة في الانتصار وتجاهل الواقع
في خضم التصعيد الأخير مع إيران، تواصل كل من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تقديم روايات مشحونة بالعواطف وتفتقر إلى الاتزان الدبلوماسي، بحسب ما يراه عدد من المحللين السياسيين.
فترامب، المعروف بخطابه الشعبوي ولغته المباشرة، ركز بشكل لافت على كرامته الشخصية، حين قال: "منعت عن خامنئي موتًا مهينًا وقبيحًا. كان عليه أن يقول: شكرًا، أيها الرئيس ترامب"، واصفًا ذلك بأنه رد فعل طبيعي كان يتوقعه من إيران بعد تخفيف التوتر. لكنه لم يتوقف عند ذلك، بل أشار إلى أنه "أراد رفع العقوبات عن إيران لإعطائها فرصة للنهوض، قبل أن يتراجع بسبب تصريحات خامنئي". وهو ما اعتُبر من قبل مراقبين خطوة غير منطقية دبلوماسيًا، حيث لا يُفترض رفع العقوبات قبل أي مفاوضات حقيقية.
وفي هذه الأثناء، نقلت تقارير أن إيران فتحت مدخل منشأتها النووية في أصفهان ونفت صحة الأنباء حول استهداف منشأة فوردو من قِبل قوات إسرائيلية، ما يعكس استمرار النشاط النووي الإيراني رغم التصعيد.
وعند سؤاله عن توقيت المفاوضات، قال ترامب بشكل عابر: "ربما تبدأ الأسبوع المقبل، وربما لا... سنرى". كما تهرّب من الإجابة عن مسألة نقل مخزون اليورانيوم الإيراني للخارج، مكتفيًا بالقول: "سابق لأوانه… لكننا سنفعل شيئًا ما"، في وقت كانت فيه حاملات الطائرات الأميركية قد غادرت المنطقة.
أما نتنياهو، فاستمر في تبني خطاب الانتصار رغم غياب الإنجازات الملموسة، مؤكداً أن "جميع الأهداف تحققت"، وهو ما يتعارض مع الواقع على الأرض، إذ تشير التقارير إلى أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت الإيرانية قابلة للإصلاح.
ووصف محللون سلوك نتنياهو بأنه يكرر أنماطًا سابقة من العمليات العسكرية التي لم تصل إلى نهايات حاسمة، لا سيما في غزة خلال السنوات الماضية. واعتبر بعضهم أنه "يفشل دائمًا في اتخاذ القرار الحاسم، ويفضل الانسحاب عند لحظة الحسم"، في إشارة إلى افتقاده للقدرة على إدارة الأزمات حتى نهايتها.
وفي ظل هذه المعطيات، تتضاءل مصداقية الخطاب السياسي لكلا الطرفين، ويظهر جليًّا أن الانتصار الحقيقي لا يُقاس بالتصريحات، بل بالتحولات الفعلية على الأرض.