في واقعة جديدة تعكس ممارسات قمعية ضد الفئات الأضعف في مصر تحت حكم السيسي، تعرض الموظف المؤقت حامد أحمد بجامعة حلوان إلى صدمة عصبية نقل على إثرها إلى المستشفى، بعد اكتشافه أن إدارة الجامعة خدعته لتوقيع عقد جديد يسلبه حقوقه الأساسية.
وبحسب ما كشفه المحامي العمالي سعد النجار، فإن الصيغة الجديدة التي أُجبر الموظف على توقيعها تنقله من فئة "عامل مؤقت" إلى "عامل يومية"، وهي خطوة قال إنها "غير قانونية وتفتقر لأي سند من قانون الخدمة المدنية أو قانون العمل المصري".
وكان حامد أحمد قد خدم في الجامعة لسنوات بعقد مؤقت يتيح له الاشتراك في التأمينات الاجتماعية والحق في التثبيت مستقبلاً، لكن الإدارة دفعته مع العشرات إلى توقيع عقود جديدة بذريعة "توفيق الأوضاع"، دون توضيح ما تحتويه هذه العقود، الأمر الذي انتهى بحرمانه من أبسط حقوقه الوظيفية.
63 موظفًا يثورون بتحرير محضر رسمي
على إثر ما جرى، تحرك 63 موظفًا مؤقتًا من العاملين بجامعة حلوان لتحرير محضر رسمي في قسم الشرطة، مساء يوم الثلاثاء 25 يونيو 2025، يوثقون فيه ما وصفوه بـ"الابتزاز الإداري"، حيث أكدوا أنهم تعرضوا لضغوطات مستمرة منذ بداية العام الجاري لإجبارهم على توقيع نفس النوع من العقود التي دمرت مستقبل زميلهم حامد.
وجاء في المحضر أن الإدارة كانت تُلوّح بفقدان الوظيفة كوسيلة للترهيب، مستخدمة حاجة الموظفين الملحة للعمل في ظل موجة البطالة وارتفاع الأسعار التي تضرب البلاد. وصرح بعض الموقعين على المحضر أن مسؤولي الإدارة كانوا يهددونهم بشكل غير مباشر بأن "من يرفض التوقيع عليه أن يبحث عن عمل آخر"، ما يكشف عن نسق متكرر في التعامل مع فئات العمالة المؤقتة في المؤسسات الحكومية.
صيغ العقود الجديدة.. انتهاك واضح للقانون والدستور
تشير العقود الجديدة التي جرى فرضها على الموظفين إلى أن العمل سيكون بنظام اليومية، دون أي التزام من الجامعة بتوفير تأمين اجتماعي أو صحي، كما أنها لا تتيح أية حقوق في الإجازات السنوية أو المرضية، ولا تعترف بالأقدمية أو سنوات الخدمة السابقة.
ووفقًا لنص المادة 12 من قانون العمل المصري، فإن "كل عقد يتضمن شروطًا تُنقص من حقوق العامل الواردة في القانون يُعتبر باطلاً"، وهو ما يجعل هذه العقود مخالفة صريحة للقانون.
وأكد المحامي سعد النجار، في تصريح صحفي، أن توقيع هذه العقود لا يسقط حقوق الموظفين، ويمكن الطعن عليها قضائيًا، خاصة في ظل وجود سوابق قضائية مشابهة انتهت بإبطال مثل هذه التعاقدات القسرية.
إدارة الجامعة.. استغلال لحاجة الناس
تأتي هذه الواقعة في سياق أوسع من تفشي الانتهاكات العمالية في المؤسسات الحكومية، في ظل أوضاع اقتصادية خانقة يعيشها المواطن المصري، نتيجة سياسات السيسي المالية، من تعويم الجنيه ورفع الدعم وزيادة الضرائب.
وتلجأ إدارات عديدة ومنها جامعة حلوان إلى أساليب ضغط واستغلال العمالة المؤقتة لحمايتها من أعباء التوظيف الرسمي، دون أي رقابة حقيقية من وزارة القوى العاملة أو الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
ويرى خبراء أن مثل هذه الممارسات تعكس افتقار الدولة إلى سياسة عادلة للتوظيف، كما تكشف فشل حكومة الانقلاب في حماية أبسط حقوق المواطنين الذين يعانون يوميًا من تداعيات الغلاء وتردي الخدمات.
في المقابل، تستمر السلطة في إنفاق المليارات على مشروعات رفاهية وعسكرية لا تعود بأي نفع مباشر على المواطن البسيط.
معاناة العمالة المؤقتة..
تُقدر الإحصائيات الرسمية عدد العاملين المؤقتين في الجهات الحكومية بنحو 300 ألف عامل، لا يتمتعون بأي حماية وظيفية حقيقية، ويعيش أغلبهم تحت تهديد الفصل أو الإذلال الإداري.
في عهد السيسي، تفاقمت أزمة هؤلاء، خاصة بعد إصدار قانون الخدمة المدنية عام 2016، الذي قنّن العقود المؤقتة وألغى آلية التثبيت، ما جعل آلاف الأسر في مهب الضياع.
وفي حين تعددت شكاوى هؤلاء إلى البرلمان أو الجهات الرقابية، لم تصدر أية استجابة تُذكر، بل على العكس، زادت ضغوط النظام على العاملين في المؤسسات التعليمية والمستشفيات والمصالح الحكومية.
إلى أين تتجه مصر؟
تطرح واقعة حامد أحمد تساؤلات خطيرة حول طبيعة الدولة التي يبنيها نظام السيسي، حيث تُهمّش الحقوق وتُحاصر الحريات، ويُستغل المواطنون في قوت يومهم. وإذا كان التعليم الذي تمثله جامعة حلوان يمارس هذا القمع، فكيف تكون الحال في مؤسسات أخرى أقل وضوحًا أمام الرأي العام؟
يرى مراقبون أن استمرار هذه الانتهاكات يكرّس ثقافة "الدولة الغاشمة"، التي تُحمل المواطن مسؤولية أزماتها، ولا تعترف له بحقوق إنسانية أو وظيفية، وهو ما يهدد بانفجار اجتماعي قادم، في بلد يعاني فيه 30% من السكان من الفقر، وفقًا لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.