تشكّلت جبهة الإنقاذ الوطني في نوفمبر 2012، عقب إعلان الرئيس الراحل الدكتور محمد مرسي الإعلان الدستوري الذي منح بموجبه صلاحيات مؤقتة لتحصين مؤسسات الدولة من العبث القضائي، ضمت الجبهة خليطًا من الشخصيات السياسية المحسوبة على النظام القديم، ورموزًا من المعارضة الليبرالية واليسارية، في مشهد عبّر عنه كثيرون حينها بأنه “تحالف الضرورة” لإسقاط أول تجربة ديمقراطية حقيقية في مصر.

 

من يتزعمون جبهة المعارضة الديمقراطية؟

جاء على رأس الجبهة محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل، والذي سعى لاستثمار شرعيته الدولية في الداخل، وشارك في الجبهة كذلك حمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي ومرشح الرئاسة السابق، وعمرو موسى، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية ووزير خارجية مبارك، إضافة إلى شخصيات مثل سيد البدوي (رئيس حزب الوفد وقتها)، وسامح عاشور نقيب المحامين.

ورغم تنوع الخلفيات الأيديولوجية لأعضاء الجبهة، إلا أن ما جمعهم هو رفضهم لمشروع ثوري إسلامي يقوده الرئيس محمد مرسي، وانزعاجهم من تحييد نفوذهم عن دائرة القرار، وهو ما دفعهم إلى تحالف غير معلن مع أركان الدولة العميقة، حسب شهادات لاحقة من بعضهم.

 

دور مشبوه في التمهيد للانقلاب

في الأشهر السابقة على انقلاب 3 يوليو 2013، لعبت جبهة الإنقاذ دور المحرض السياسي والإعلامي على إسقاط نظام مرسي، متبنية خطابًا تصعيديًا غير مسبوق، وكانت من أبرز الداعمين لحركة “تمرد”، التي اتضح لاحقًا -باعتراف قادتها- أنها كانت مدعومة من أجهزة أمنية لتوفير غطاء شعبي زائف للانقلاب العسكري.

في 30 يونيو 2013، أعلنت الجبهة دعمها الكامل للتظاهرات التي نظمتها “تمرد”، واعتبرت في بيان رسمي أن “الجيش هو المنقذ الوحيد”، لتمنح بذلك الغطاء المدني لتدخل عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزيرًا للدفاع حينها، لعزل الدكتور مرسي واعتقاله.

جبهة الإنقاذ لعبت دورًا مركزيًا في المعارضة لحكم الدكتور مرسي، حيث رفضت الدعوات المتكررة للمصالحة الوطنية التي أطلقها الرئيس، وهدفت أساسًا إلى إفشال حكومة هشام قنديل التي كانت محسوبة على التيار الإسلامي، سعياً للوصول إلى السلطة بأي ثمن.

وقد تحالفت الجبهة مع المؤسسة العسكرية، وأسهمت في دعم حركة "تمرد" التي تأسست في أبريل 2013، والتي كانت تمهد للانقلاب العسكري على مرسي.

كما شاركت في تحريض الرأي العام ضد الرئيس، ورفضت ما وصفته بـ"أخونة" الدولة، رغم عدم وجود أدلة على ذلك، مما ساهم في خلق حالة من الفوضى والتوتر السياسي.

الجبهة لم تكتفِ بالمعارضة السياسية فقط، بل تبررت بعد الانقلاب قتل المتظاهرين السلميين، وباركت فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ودعت إلى تقييد الحريات وفرض حالة الطوارئ، كما طالبت بحظر التظاهرات المناهضة للانقلاب واعتقال قيادات الإخوان المسلمين.

وقد احتوت الجبهة على أتباع نظام مبارك وفلول الحزب الوطني المنحل، مما جعل بعض القوى المعارضة الأخرى ترفض المشاركة فيها.

 

أعضاؤها البارزون

من أبرز قيادات الجبهة:

  • محمد البرادعي (حزب الدستور)
  • عمرو موسى (حزب المؤتمر المصري)
  • حمدين صباحي (التيار الشعبي)
  • السيد البدوي (حزب الوفد الجديد)
  • منير فخري عبد النور
  • عمرو حمزاوي (حزب مصر الحرية)
  • جودة عبد الخالق (حزب التجمع)
  • أحمد سعيد (حزب المصريين الأحرار)
  • وغيرهم من قادة أحزاب ليبرالية ويسارية وتحالفات ثورية

 

دور إعلامي محرض على الدماء

ساهمت الجبهة في تأجيج المشهد الإعلامي، حيث امتلأت الفضائيات المؤيدة لها بخطابات التخوين ضد الرئيس مرسي، وشيطنة جماعة الإخوان المسلمين، ما مهّد لتقبل شعبي للتدخل العسكري، وعلى الرغم من خطابها الديمقراطي، دعمت الجبهة مذبحة رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013، ولم يصدر عنها أي إدانة تُذكر، باستثناء انسحاب خجول من البرادعي من الحكومة الانقلابية.

 

البرادعي.. أول من تبين خديعة الانقلاب

كان محمد البرادعي أول من انقلب على جبهة الإنقاذ عمليًا، حين قدّم استقالته من منصبه كنائب للرئيس المؤقت عدلي منصور، عقب مجزرة رابعة، وصرّح في وقت لاحق قائلاً:

"أُخدعنا... لم يكن هناك أي رغبة في حل سياسي... كانت هناك نية لسحق المعارضة"، ورغم الانتقادات اللاذعة التي وُجهت له من الإعلام الموالي للانقلاب، لم يعد إلى مصر منذ استقالته.

 

حمدين صباحي.. تائه بين الثورة والانقلاب

أما حمدين صباحي، فرغم ترشحه مرتين للرئاسة، فقد فقد شعبيته تمامًا، خاصة بعد تبريره للانقلاب وتبرئته للسيسي من المذابح، لكنه عاد في السنوات الأخيرة ليُقرّ بفشل ما سُمّي بـ"خارطة الطريق"، مصرحًا في 2021 بأن: ما جرى بعد 2013 لم يحقق أي أهداف للثورة، بل كرّس الدولة البوليسية.

 

تاريخ لن ينسى.. وخيانة محفورة في ذاكرة الثورة

لن ينسى التاريخ كيف وقفت هذه الجبهة، التي ادّعت الدفاع عن الحريات، في خندق الانقلاب، وساهمت بشكل مباشر في تدمير مكتسبات ثورة يناير، وسحق المسار الديمقراطي، وتبرير القمع والدماء، كما لن يُنسى أن بعض أعضائها كانوا أدوات لتجميل وجه السيسي في سنواته الأولى، قبل أن يلفظهم هو نفسه بعد أن انتهى دورهم.

جبهة الإنقاذ، التي وُلدت في زمن الحلم الديمقراطي، انتهت إلى سراب سياسي مشين، أما الدكتور محمد مرسي، فقد دخل التاريخ شهيدًا دافع عن اختياره الشعبي حتى اللحظة الأخيرة، فيما بقي من انقلبوا عليه يتخبطون في مواقفهم أو يقفون على الهامش، لا يسمع لهم صوت ولا تحظى أقوالهم باهتمام. لقد سقط القناع، وبقيت الحقيقة.