وسط أزمة طاقة خانقة تشهدها القاهرة.. إسرائيل تضغط على مصر بسلاح الغاز
الأربعاء 2 يوليو 2025 12:00 م
كشفت تقارير اقتصادية إسرائيلية ودولية عن تصعيد تل أبيب سياساتها الاقتصادية تجاه مصر من خلال ملف الغاز الطبيعي، مستخدمة سلاح الأسعار والتدفقات كمصدر نفوذ سياسي، وسط أزمة طاقة خانقة تشهدها القاهرة مع بداية فصل الصيف وتراجع الإنتاج المحلي.
وفقاً لما نقلته وسائل إعلام عبرية، لم تكتف إسرائيل بوقف إمدادات الغاز إلى مصر أربع مرات خلال الشهور الأخيرة – مرتين خلال عدوانها على غزة، ومرتين خلال الحرب مع إيران – بل رفعت أيضاً سعر الغاز المورّد بنسبة تتراوح بين 25% و40%، في خطوة اعتبرها مراقبون أداة ابتزاز اقتصادي صريحة، هدفها الضغط السياسي وربما الانتقام من موقف مصر من تطورات ملف غزة.
من الغاز إلى السياسة: "إذا نجح الضغط.. فلماذا لا نربح؟"
في تقرير لافت نشره موقع "JFeed" الإسرائيلي في فبراير الماضي، أشار إلى أن تل أبيب تستغل نفوذها الاقتصادي عبر الغاز كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية، مؤكداً أن زيادة السعر ليست مجرد تعديل تجاري، بل رسالة لاذعة مفادها أن "تجاهل إسرائيل لم يعد ممكناً". وأضاف الموقع: "إذا واصلت إسرائيل تضييق الخناق، فقد تجد مصر نفسها محاصرة بين الكبرياء الوطني وشبكات الكهرباء المهددة".
وفي مايو الماضي، كشف مسؤول في الهيئة العامة للبترول المصرية أن شركة الغاز الإسرائيلية تضغط لتعديل شروط التوريد، مستغلة ذروة استهلاك الكهرباء في الصيف. السعر المقترح الجديد يبلغ 9.4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، بزيادة 40% عن السعر الأصلي البالغ 6.7 دولارات، في صفقة توريد ضخمة بقيمة 15 مليار دولار لـ64 مليار متر مكعب.
حرب الغاز تخنق المصانع
كانت تداعيات هذا التلاعب فورية وواسعة؛ إذ أعلنت منصّة "ميس" المتخصصة في شؤون الطاقة أن المصانع المصرية والأردنية تعطلت جزئياً مع توقف واردات الغاز الإسرائيلي إثر تصاعد التوترات الإقليمية. ولفت تقرير حديث إلى أن الاقتصاد المصري بدأ يتعافى فقط بعد عودة إنتاج الحقول الإسرائيلية (ليفياثان وكاريش)، والتي أعيد تشغيلها بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران في 24 يونيو.
ونقل مصدر في شركة "إيجاس" أن ضخ الغاز الإسرائيلي عاد بمعدل 200 مليون قدم مكعبة يومياً بعد توقف دام أسبوعين، وسيرتفع إلى 750 مليوناً ثم مليار قدم مكعبة تدريجياً خلال الفترة المقبلة، معظمها مخصص للمصانع المتوقفة.
لكن في المقابل، ربطت الشركات الإسرائيلية هذا الضخ بالتزام مصر بإعادة التفاوض على السعر باتجاه الزيادة، وهو ما تحاول القاهرة الالتفاف عليه من خلال تنويع مصادرها، بالاتجاه نحو الغاز القطري والروسي، لتقليل الاعتماد على تل أبيب.
خطة طوارئ مصرية: بين الواقع والقيود
في 17 يونيو، كشف موقع "أويل برايس" عن أن حكومة عبدالفتاح السيسي بدأت تنفيذ خطة طوارئ شاملة للطاقة، بعد أن تسبب توقف الضخ من إسرائيل في ارتباك كبير بقطاعات استراتيجية مثل الأسمدة، الحديد، ومواد البناء. ومع إغلاق أكبر حقول الغاز الإسرائيلية – ومن بينها حقل "ليفياثان" البحري الذي تشغله شركة "شيفرون" – اضطرت مصر إلى مواجهة عجز حاد في إمدادات الطاقة، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال عالمياً.
أعلن وزير البترول كريم بدوي أن الضخ عاد تدريجياً بكميات بلغت 200 مليون قدم مكعبة يومياً، على أن يرتفع إلى 850 مليوناً في شهري يوليو وأغسطس، إن استقرت الأوضاع. وقال إن الأولوية القصوى حالياً هي تأمين احتياجات الكهرباء، مع دعم الصناعات الثقيلة.
غير أن التصريحات الحكومية لم تخفِ القلق العميق لدى المستثمرين، حيث قال مدير اتحاد الصناعات المصرية محمد البهي إن العودة التدريجية للضخ أنقذت العديد من المصانع من الإغلاق التام، وعلى رأسها "موبكو" و"أبو قير للأسمدة" التي علقت الإنتاج خلال فترة توقف الغاز.
سلاح اقتصادي بامتياز
تعكس الخطوة الإسرائيلية الجديدة استخدام تل أبيب للغاز كأداة ابتزاز مزدوجة؛ اقتصادية وسياسية.
فمع كل أزمة إقليمية، تجد مصر نفسها بين خيارين أحلاهما مر: القبول بشروط إسرائيل المالية والسياسية، أو تعريض اقتصادها لأزمات طاقة خانقة.
الابتزاز الإسرائيلي يأتي أيضاً في لحظة ضعف هيكلي في سوق الطاقة المصري، حيث تراجع الإنتاج المحلي، وارتفع الاستهلاك، وتعثرت استثمارات الحقول الجديدة.
كما أن انقطاعات الكهرباء باتت ملموسة في عدة محافظات، ما زاد من الضغط الشعبي والسياسي على الحكومة.
بدائل مصرية قيد الدراسة
رداً على هذا الضغط، بدأت القاهرة فعلاً تحركات في أكثر من اتجاه، من بينها التوسع في استيراد الغاز القطري، وزيادة الاعتماد على الغاز الروسي، إلى جانب خطوات لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الفاقد في الشبكة.