في ظل الجدل الواسع الذي تثيره تعديلات حكومة عبدالفتاح السيسي، على قانون الإيجار القديم، حذر "مرصد العمران" من تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة قد تطال مئات الآلاف من الأسر في حال إقرار المشروع بصيغته الحالية، مؤكدًا أن التشريع المقترح يهدد بإحداث موجة "تشريد جماعي" واضطرابات في سوق العقارات، إلى جانب ما وصفه بـ"الاختلال في التوازن الإيجاري".
وكانت الحكومة قد تقدمت في 17 يونيو الماضي بمشروع قانون معدل بشأن تنظيم العلاقة الإيجارية في الوحدات السكنية الخاضعة لقانون الإيجار القديم، متضمّنًا مدّ الفترة الانتقالية لتحرير العقود إلى سبع سنوات بدلًا من خمس، قبل إنهاء العلاقة بين المالك والمستأجر.
تشريد محتمل ونزوح جماعي بحثًا عن السكن
مرصد العمران، وهو مؤسسة بحثية مستقلة معنية بقضايا السكن والتنمية العمرانية، أصدر بيانًا أشار فيه إلى أن المادة الثانية من مشروع القانون، التي تنص على انتهاء العلاقة الإيجارية بعد سبع سنوات، قد تؤدي إلى ما يشبه "النزوح الجماعي" من قبل مئات الآلاف من المستأجرين، نصفهم تقريبًا في القاهرة الكبرى وحدها، بحثًا عن سكن بديل في توقيت واحد.
وحذّر المرصد من أن هذا السيناريو سيخلق طلبًا هائلًا ومفاجئًا على سوق السكن، بما قد يؤدي إلى مضاربات عقارية واحتكار وارتفاع مفرط في أسعار البيع والإيجار، على غرار ما حدث مؤخرًا مع أزمة اللاجئين في بعض المناطق.
وفي المقابل، يرى المرصد أن الملاك قد يسارعون إلى عرض وحداتهم للبيع أو الإيجار الجديد بشكل متزامن، ما يغرق السوق بوحدات سكنية ويؤدي إلى تدهور أسعارها، مما قد يدفع البعض إلى الإبقاء على وحداتهم مغلقة تفاديًا للخسارة، ما يفاقم أزمة "الوحدات غير المستغلة".
توريث العقود واحتياج الملاك: جدلية مستمرة
من الإشكاليات التي أثارها المرصد أيضًا، استمرار حظر إنهاء العلاقة الإيجارية من طرف المالك حتى لو احتاج إلى الوحدة، بالإضافة إلى استمرار توريث عقود الإيجار المفتوح وفقًا للقانون رقم 52 لسنة 1969، وهو ما يراكم الضغوط على الملكية الخاصة ويحد من مرونة السوق.
واقترح المرصد تعديلاً يكتفي بإلغاء التوريث للعقود التي سبقت صدور اللائحة التنفيذية لهذا القانون في 3 يناير 1970، مع السماح للجيل الثاني بالبقاء مدة ثلاث سنوات فقط بعد وفاة المستأجر الأصلي، بشرط إقامته في الوحدة قبل الوفاة بعام على الأقل.
اعتراض على لجان الحصر ومخاوف من البيروقراطية
كما أبدى المرصد تحفظه الشديد على المادة الثالثة من مشروع القانون، التي تنص على تشكيل لجان حصر بالمحافظات لتحديد الأجرة القانونية حسب المناطق، معتبرًا أن ذلك يفتح الباب أمام تفاوتات في التقدير وشبهات غياب العدالة، ويزيد العبء الإداري، فضلًا عن طول الفترة اللازمة للتنفيذ.
زيادات الإيجار ومقترحات بديلة أكثر توازنًا
وفيما يخص المادة الرابعة التي تنظم الزيادات الإيجارية خلال المرحلة الانتقالية، والتي تتراوح فيها الزيادات بين 10 إلى 20 ضعفًا حسب نوع المنطقة، اقترح المرصد تحديد نسب الزيادة استنادًا إلى تاريخ التعاقد الأصلي، وتصنيف العقود إلى فترات زمنية، لتفادي حالات التناقض بين الأجرة والمنطقة السكنية، مؤكدًا أن بعض الإيجارات في مناطق أقل تميزًا أصبحت تفوق نظيراتها في مناطق راقية بسبب تضخم الأسعار.
واقترح المرصد تطبيق الزيادات بعد ستة أشهر من إصدار القانون، لتفادي الصدمة الاقتصادية للمستأجرين، مع اعتماد زيادات تدريجية مرتبطة بالقيم الأصلية، خاصة تلك التي تقل عن 25 جنيهًا شهريًا.
وبالنسبة إلى المادة السادسة، التي تنص على زيادة سنوية بنسبة 15%، أوصى المرصد بخفضها إلى 10% فقط لتتلاءم مع متوسط معدلات نمو الأجور.
إخلاء الوحدة ومطالبة بضوابط واضحة
وعن المادة السابعة الخاصة بإخلاء الوحدة في حال غلقها لمدة تزيد على عام أو ملكية المستأجر لوحدة أخرى، طالب المرصد بإصدار لائحة تنفيذية مفصلة خلال ثلاثة أشهر من بدء العمل بالقانون، لضمان التحقق العادل من هذه الحالات وتفادي إساءة استخدام هذا البند.
غياب بدائل واقعية والسكن البديل مجرد "نص دستوري"؟
وفي ما يخص المادة الثامنة التي تمنح المستأجرين أحقية في الحصول على سكن بديل من الدولة، عبّر المرصد عن تشككه في إمكانية تطبيق هذه المادة، مؤكدًا أن الدولة غير قادرة فعليًا على توفير وحدات سكنية لنحو 528 ألف أسرة غير قادرة على تأمين بدائل، ما يجعل هذا النص مجرد “إجراء شكلي” لا يحل جذور الأزمة.
واقترح المرصد بديلًا عمليًا يتمثل في برنامج دعم نقدي مباشر للإيجار، مخصص لذوي الدخل المحدود والمتوسط، مع إعطاء الأولوية للمستأجرين المتضررين من الإيجار القديم، ووضع معايير قانونية واضحة لهذا الدعم لتفادي الانحراف عن هدفه.
تحذيرات متكررة من نقابات وخبراء
وتأتي تحذيرات مرصد العمران بعد سلسلة من التحذيرات الصادرة عن نقابتي المهندسين والأطباء، اللتين نبهتا في وقت سابق إلى خطر التعديلات المقترحة، معتبرتين أنها "تفجر وضعًا اجتماعيًا قابلًا للاشتعال"، وقد تطيح باستقرار ملايين المواطنين الذين لا يملكون القدرة على الانتقال لسكن بديل.
من جانبها، كانت المحامية بالنقض ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، قد اعتبرت أن القانون المقترح "يصنع صراعًا مفتوحًا بين المالك والمستأجر"، ويزيد هشاشة الأوضاع السكنية للنساء والفئات الضعيفة.
خلفية تشريعية ودستورية
وكانت المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت في نوفمبر الماضي حكمًا بعدم دستورية تثبيت الأجرة في عقود الإيجار السكني الخاضعة لقانون 136 لسنة 1981، ودعت البرلمان إلى التدخل لتعديل العلاقة التعاقدية بما يضمن التوازن بين الطرفين.
وفي أكتوبر 2023، صرّح عبد الفتاح السيسي بضرورة "تحريك" قانون الإيجارات القديمة، مشيرًا إلى أن هناك مليوني وحدة سكنية فارغة "أصحابها ماتوا"، ولا تُستغل بسبب استمرار العمل بهذا القانون القديم.